ومنهم من قال: لا بُدَّ من اثنين غيرِ الإمام (١).
ومنهم من قالَ: لا بدَّ من ثلاثةٍ غيرِ الإمام، وهو قولُ أبي حنيفة (٢)، وربَّما استدلَّ بما رُوي مرفوعاً: "الجمعةُ واجبةٌ على كلِّ قريةٍ فيها إمامٌ، وإن لم يكونوا إلَّا أرَبعةً" (٣)، ولكنه ضعيفٌ لا يَصِحُّ (٤).
ولما رأى الشافعيُّ ضعفَ هذا الاستدلالِ، تَمَسَّكَ بأقلِّ ما سمع، فقال: سمعتُ عدداً من أصحابِنا يقولون: تجبُ الجمعةُ على كُلِّ أهلِ دارِ مقامٍ إذا كانوا أربعينَ رَجُلًا، وكانوا أهلَ قريةِ، فقلنا به، وكان أقل ما علمناه قيل به، ولم يجزْ عندي أن أدعَ القولَ به، وقد روي حديثٌ لا يثبتهُ أهلُ الحديثِ أَنَّ النبيَّ - ﷺ - جَمَّعَ حينَ قدمَ المدينةَ بأربعينَ رجلًا (٥)، ولكنه يشهدُ له ما روى عبدُ الرحمنِ بنُ كعبِ بنِ مالكٍ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما- قال: كنتُ قائداً أبي حين ذهبَ بصره، فإذا خرجْتُ به إلى (٦) الجُمعةِ، فسمع الأذانَ، صَلَّى على أبي أُمامَةَ أسعدَ بنِ زُرارةَ، واستغفرَ له، فقلتُ له: يا أبت! أَرَأَيتَ استغفارَكَ لأبي أُمامَةَ كلَّما سمعتَ الأَذانَ للجمعة، ما هو؟ فقال: أي بنيَّ!
(٢) انظر: "المبسوط" (١/ ٣٦١)، و "أحكام القرآن" للجصاص (٥/ ٣٤١).
(٣) رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (٢/ ٢٠٤)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (٣٤٠١)، والدارقطني في "سننه" (٢/ ٧)، والبيهقيّ في "السنن الكبرى" (٣/ ١٧٩)، عن أم عبد الله الدوسية.
(٤) ضعفه الدارقطني والبيهقيّ.
(٥) انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (١/ ١٩٠).
(٦) في "ب": "يوم".