الحكم الخامس: أمرَ اللهُ سبحانَه بترتيلِ القرآنِ، وهو أن يُبيِّنَ القارىُء القرآنَ، ويتبعَ بعضَه بَعْضاً في تُؤَدَةٍ؛ بحيثُ يكونُ مُصَحّحاً للحروفِ، مُقيماً لَها بإخراجها من مَخارِجِها، فلا يجوزُ للقارئِ أن يتركَ هذا الترتيلَ، فيدرجَ بعضَ كلماتِه أو بعضَ حروفِه في بعضٍ، فبالترتيل يتفقَّهُ القارئُ، ويفهمُ مرُادَ الله عز وجَلَّ (١).
قالَ أبو الدَّرْداءِ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه-: إياكم والهَذَّاذين الذين يَهُذُّون القرآنَ، ويُسرعون بقراءته؛ فإنَّما مثلهُ كمثلِ الأَجَمَةِ (٢) التي لا أَمْسَكَتْ ماءً، ولا أنبتَتْ كَلاً (٣).
وعن إبراهيمَ، عن (٤) علقمة قال: قال ابنُ مسعودٍ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه-: لا تنثُروهُ نثرَ الدَّقَل (٥)، ولا تَهُذوهُ هَذَّ الشِّعْر، قِفوا عندَ عجائِبِه، وحَرِّكوا بهِ القُلوبَ، ولا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورة (٦).
* * *
وهذا ما يَسَّرَ اللهُ الكريُم تعليقَه من آياتِ الأحكامِ، وإنْ كانَ قدْ بقيَ في القرآنِ المجيدِ آياتٌ كثيرة تتعلَّقُ بالأَحْكام تركْتُ الكلامَ عليها طَلَباً للاختصار، وذلكَ إمَّا لاندراجِها في أحكامِ الناسِخِ، أو في أحكامِ المنسوخ،

(١) انظر: "تفسير الطبري" (٢٩/ ١٢٧)، و "أحكام القرآن" لابن العربي (٤/ ٣٢٧).
(٢) الأجمة: الشجر الملتف، والجمع أجم وآجام.
"المُغرب" (١/ ٣٠).
(٣) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (٢٦٥١). عن نصر بن علقمة الحضرمي.
(٤) في "ب": "بن" وهو خطأ.
(٥) الدّقَل: هو رديء التمر ويابسه، وما ليس له اسم خاص، فتراه ليُبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثوراً. "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (٢/ ١٢٧).
(٦) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٢/ ٢٥٦)، والبيهقيّ في "شعب الإيمان" (٢٠٤١).


الصفحة التالية
Icon