بالنِّكاح في هذهِ الآيةِ الوطءُ، فقال: أما إنه ليسَ بالنِّكاح، ولكنْ لا يجامِعُها إلا زانٍ أو مشركٌ، وحُرِّمَ ذلكَ على المؤمنين (١)، أي: وحُرِّم الزنى على المؤمنين، ومعناه أَنَّ الزانيَ لا يَزْني إلا بزانيةٍ مثلِهِ منْ أهلِ القبلَةِ لا تستحِلُّ الزنى، أو مشركَةِ تستحلُّ الزنى، وكذلكَ الزانيةُ من المسلماتِ لا تزني إلَّا معَ زانٍ من المسلمينَ لا يَسْتَحِلُّ الزنى، أو مَعَ مشركٍ يستحلُّ الزنى.
والقولُ بوقفِ الآيةِ على سببِها حسن متعيِّنٌ إن صَحَّ السببُ، ولكنه يحتاجُ إلى تأويل وتوضيحٍ.
ومَعْناه: (الزاني) المشركُ (لا ينكحُ إلا زانيةً)، وهي مشركةٌ، (أو مشركةً)، وهي عفيفةٌ (٢) -كما كانَ ذلكَ عادةَ المشركينَ في أنكحَتِهم- وهذه الجملةُ ليستْ محل السبب والنهي.
(والزانيةُ) أي: المشركةُ - كما هي صفةُ البغايا اللاتي وَرَدَ فيهنَّ النهيُ - (لا يَنْكِحُها إلا زانِ أو مشركٌ)، وإن لمْ يكنْ زانياً، وهذهِ الجملةُ هي مَحَلُّ السببِ.
وإنَّما احْتَجْنا إلى هذا التأويلِ؛ لأَنَّا لو أَطْلَقْنا الزانيَ في المسلمِ والكافرِ؛ لَجَوَّزْنا للمسلمِ نكاحَ المشركَةِ الوثنيةِ، ولو أطلقنا الزانيةَ في المسلمةِ والكافرةِ، لَجوَّزْنا للمسلمةِ الزانيةِ أن تنكحَ مُشْرِكاً، ولم تردْ شريعَتُنا بهذا قَط، قالَ اللهُ تعالى: ﴿لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ [الممتحنة: ١٠]، وقد عُلِمَ بهذا التَّحقيقِ أَنَّ الآية وردَتْ لبيانِ أنكحةِ المُشركين وصِفَتِها.
ثم قال الله تعالى بعد بيانه (٣): ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٣].

(١) رواه الحاكم في (المستدرك) (٢٧٨٦)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ١٥٤).
(٢) في "ب": "أو مشركة، وهي مشركة وهي عفيفة".
(٣) "بعد بيانه" ليس في "أ".


الصفحة التالية
Icon