وذهبَ قومٌ إلى أَنَّ قاذفَ الأَمَة والكافرةِ غيرُ مَجْلودِ، وبهِ قالَ مالكٌ، وخَصَّصوا الإحصانَ بالعِفَّة (١).
واستدلَّ الجُمهورُ بما رُوي عنِ ابنِ عُمَرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما -: أنَّ النبيَّ - ﷺ - قالَ: "مَنْ أَشْرَكَ باللهِ، فَلَيْسَ بمُحْصَنٍ" (٢)، وبأن العبدَ إذا قذفَ المُحْصَنَ لا يَجِبُ عليهِ الحَدُّ كامِلاً؛ لنقَصانهِ، فوجبَ أن يسقطَ الحَدُّ عن قاذفِه؛ كقاذف الصبيِّ.
فإن قلتم: فهل نجدُ في القرآنِ دليلاً على أنهما غيرُ مراديْنِ؟
قلت: نعمِ، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾، فوَصَفَهُنَّ بثلاثةِ أوصافٍ: الإيمانِ، والغَفْلَةِ عن الفاحِشَةِ، والإحْصانِ الذي هو الحريةُ، فإطلاقهُ هنا محمولٌ على هذا التقييد.
* واتفقوا - فيما أَحْسِبُ - على اشتراطِ بُلوغِ المُحْصَنِ؛ لنقصانِ الصبيِّ (٣)، لكن اعتبرَ مالكٌ في سِنِّ المرأة أن تطيق الوطْءَ (٤).
* وأوجبَ اللهُ سبحانَه هذهِ العُقوبَةَ على كُلِّ مَنْ يَصْلُحُ للخِطاب،

(١) انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (٢/ ٣٣٠).
(٢) رواه الدارقطني في "سننه" (٣/ ١٤٧)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٢١٦)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٢٨/ ٢٦٥).
(٣) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٣/ ٢٥٥)، و"مغني المحتاج" للشربيني (٣/ ٣٧١)، و"المغني" لابن قدامة (٩/ ٧٦)، و"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (٣/ ٣٥٣)، و"الهداية" للمرغيناني (٢/ ١١٢)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (٧/ ٤٠).
(٤) انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (٢/ ٣٣٠)، و"مواهب الجليل" للحطاب (٦/ ٢٩٨).


الصفحة التالية
Icon