تستأذِنوا (١)، فخطأٌ مَحْضٌ؛ لإجماع الأمةِ على حفظِ كتاب اللهِ جَلَّ ثنَاؤهُ من الخَطَأ؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]، وكما قال: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت: ٤٢]، ومعاذَ اللهِ سبحانَهُ أن يصح هذا عن الحبْرِ الترجُمانِ.
وقال قومٌ: يقدمُ السلامَ، فيقولُ: السلامُ عليكُم، أَأَدْخُلُ (٢)؟ فقال بعضُ هؤلاءِ: معنى يستأنسوا: أي: يطلُبوا الاستئناسَ بالتَّنَحْنُحِ أو التسبيحِ أو التكبيرِ حَتَّى تنظُروا هلْ في الدارِ أحدٌ يأذنُ لكم؟ مُقْتَصٌّ هذا من قولِ الله تعالى: ﴿آنَسْتُ نَارًا﴾ [طه: ١٠].
وقال بعضُهم: في الكلامِ تقديمٌ وتأخيرٌ، أي: حَتَّى تسُلِّموا وتستأذنوا، واستدلُوا بما روى أبو داودَ في "سننه" عن رِبْعِيِّ بنِ حِراشٍ قال: حدثنا رجلٌ من بني عامرٍ استأذَنَ على النبيِّ - ﷺ -، وهو في بيتٍ، فقال: أَأَلِجُ؟ فقالَ رسولُ اللهِ - ﷺ - لخادمِه: "اخْرُجْ إلى هذا فَعَلِّمْهُ الاسْتِئْذانَ، فَقُلْ لَهُ: قُلْ: السَّلامُ عليكُمُ، أَأَدخلُ؟ "، فسمع الرجلُ، فقال: السلامُ عليكمُ، أأدخلُ؟ فأذنَ لهُ النبيُّ - ﷺ -، فدخل (٣)، قال النوويُّ: وإسنادُهُ جيدٌ (٤).
واستدلُّوا أيضًا بما خَرَّجَ أبو داودَ والترمذيُّ عن كَلَدَةَ بنِ حَنْبَلٍ: أَنَّ
(٢) واختاره المازري من الشافعية، كما في "فتح الباري" لابن حجر (١١/ ٢٧)، وانظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٢/ ١٥٩)، و"جامع الأمهات" لابن الحاجب (ص ٥٦٧).
(٣) رواه أبو داود (٥١٧٧)، كتاب: الأدب، باب: كيف الاستئذان؟ وابن أبي شيبة في "المصنف" (٢٥٦٧٢)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٣٤٠).
(٤) في المطبوع من "رياض الصالحين" (ص: ٢٢٤) قال النووي: "رواه أبو داود بإسناد صحيح".