عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٣٣].
* أقول: يحتملُ أن تكونَ (حَتَّى) للتعليلِ، والمعنى: ولْيَطْلُبِ العِفَّةَ الذين لا يَجِدونَ نِكاحاً بالاكتسابِ؛ لكي يُغْنيهم اللهُ من فضلهِ، فحينئذٍ يحصلُ الوعدُ من اللهِ بالغنى في طَلَبِ النكاحِ للعفَّةِ، ويكون الأمرُ على الاسْتِحْباب.
والظاهرُ أن الأمرَ للوُجوبِ، وأنَّ (حتى) للغايةِ، فأمرَ اللهُ سبحانَهُ عبادَه الذين لا يَجِدون نِكاحاً أَنْ يَسْتَعْفِفُوا، فيَحْفظوا فُروجَهم عن الزنى إلى أن يُغْنِيَهم اللهُ من فضلهِ، ويكون مفهومُ الغايةِ أنَّ اللهَ سبحانَهُ إذا أَغْناه، فلا يَسْتَعْفِفْ، بل يطلبُ النكاحَ.
وقد بينَ النبيُّ - ﷺ - ذلك.
روينا في "الصحيحين" عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه- قال: قالَ لنا رسولُ اللهِ - ﷺ -: "يا مَعْشَرَ الشَّبابِ! منِ اسْتَطاعَ مِنْكُمُ الباءَةَ فَلْيتَزَوَّجْ؛ فإنَّهُ أَغَضُّ للبَصَرِ، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فإنَّهُ لَهُ وِجاءٌ (١) " (٢) ولهذا قالَ جماعةٌ: النكاحُ أفضلُ من التَّخَلِّي للعبادَةِ (٣).
"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (٥/ ١٥١).
(٢) رواه البخاري (١٨٠٦)، كتاب: الصوم، باب: الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة، ومسلم (١٤٠٠)، كتاب: الحج، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه.
(٣) وهو قول الحنفية، انظر: "شرح فتح القدير" للكمال بن الهمام (٣/ ١٨٨)، و"التفسير الكبير" للرازي (٢٣/ ١٨٤)، و"معالم التنزيل" للبغوي (٣/ ٣٤١).