وإرشادُهُ الصحابةَ إلى استنباطِها منه، خلافًا لمن زعم أنَّ كلامَ الله ورسوله لا يفيد العلم بشيءٍ من أصول الدِّين، ولا يجوز أن تستفاد معرفة الله وأسمائه وصفاته وأفعاله منه، وعبَّرَ عن ذلك بقوله: [ز/ ٢٢] "الأدلَّة اللفظية لا تفيد اليقين" (١).
وفي الحديث بيان أنَّ من النَّاس من خُلِقَ للسَّعادة، ومنهم من خُلِق للشَّقَاوة، خلافًا لمن زعم أنَّهم كلُّهم خُلِقُوا للسَّعَادة، ولكن اختاروا الشَّقَاوة، ولم يُخْلَقُوا لها.
وفيه إثباتُ الأسباب، وأنَّ العبد ميسَّرٌ للأسباب الموصِلة له (٢) إلى ما خُلِق له.
وفيه دليلٌ على اشتقاق السُّنَّةِ من الكتاب، ومطابقتها له. فتأمَّلْ قوله - ﷺ -: "اعمَلُوا فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلق له" ومطابقته لقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥)﴾ إلى آخر الآيتين، كيف انتظم الشَّرْعَ والقَدَرَ، والسببَ والمسبَّب؟
وهذا الذي أرشد إليه النبيُّ - ﷺ - هو الذي فَطَر اللهُ عليه عباده، بل الحيوانَ البهيمَ، بل مصالحَ الدنيا وعمارتها بذلك، فلو قال كلُّ أحدٍ: إنْ كان قُدِّر لي كذا وكذا فلابدَّ أن أنَالَهُ، وإن لم يقدَّر لي فلا سبيل إلى نَيلِهِ، فلا أَسْعَى ولا أتَحَرَّكُ؛ لَعُدَّ من السفهاءِ الجُهَّالِ، ولم يمكنه طَرْدُ ذلك أبدًا، وإن أتى به في أمرٍ مُعَيَّنٍ، فهل يمكنه أن يَطْرُدَهُ في مصالحه
(٢) ساقط من (ن).