فإن قيل: فَلِمَ جعل هذا لا يليق به إلا الكَرَامة، وهذا لا يليق به إلا الإهَانة؟
قيل: هذا سؤال جاهلٍ، لا يستحقُّ الجواب، كأنَّه يقول: لِمَ خَلَقَ اللهُ كذا وكذا؟
فإن قيل: [ن/١٩] وعلى هذا، فهل لهذا الجاهل من جوابٍ، لعلَّهُ يَشْفَى من جهله؟
قيل: نعم؛ شأنُ الربوبية خَلْقُ الأشياءِ وأضدادِها، وخَلْقُ المَلْزُومات ولوازِمِها، وذلك هو مَحْضُ الكَمَال.
فالعُلُوُّ لازِمٌ وملزومٌ للسُّفْلِ، والليلُ لازمٌ وملزومٌ للنَّهار، وكمالُ هذا الوجود بالحَرِّ والبَرْدِ، والصَّحْوِ والغَيْم. ومن لوازم الطبيعة الحيوانية: الصحَّةُ، والمَرَضُ، واختلافُ الإرادات، والمُرَادَات.
ووجودُ المَلْزُومِ بدون لازِمِه ممتنعٌ (١)، ولولا خَلْقُ المُضَادَّاتِ (٢) لَمَا عُرِفَ كمالُ القدرة والمشيئة والحكمة، ولَمَا ظهرت أحكامُ الأسماء والصفات، وظهورُ أحكامِها وآثارِها لابدَّ منه، إذ هو مقتضى الكمالِ المقدَّسِ، والمُلْكِ التامِّ.
وإذا أعطيتَ اسمَ "المَلِك" حقَّه -ولن تستطيع- علمتَ أنَّ الخلقَ والأمرَ، والثوابَ والعقابَ، والعَطَاءَ (٣) والحرمانَ = أمرٌ لازِمٌ لصفة المُلْكِ، وأنَّ صفة المُلْكِ تقتضي ذلك ولابدَّ، وأنَّ تَعَطُلَ هذه الصفة أمرٌ
(٢) في (ح) و (م): المتضادَّات.
(٣) ساقط من (ن).