فـ "توحيدُ المطلوب" يعصِمُ من الشِّرْك، و"توحيدُ الطلب" يعصِمُ من المعصية، و"توحيدُ الطريق" يعصِمُ من البدعةِ، والشيطانُ إنَّما يَنْصِبُ فَخَّهُ بهذه الطرق الثلاثة.
ولمَّا أقام -سبحانه- الدليلَ، وأنارَ السبيل، وأوضحَ الحُجَّةَ، وبيَّنَ المَحَجَّةَ = أنذرَ عبادَه عذابَه الذي أعدَّهُ لمن كذَّبَ خَبَرَهُ، وتولَّى عن طاعته. وجعلَ هذا الصِّنْفَ من النَّاس هم أشقاهم، كما جعل أَسْعَدَهم أهلَ التقوى والإحسان والإخلاص، فهذا الصِّنْفُ هو الذي يُجَنَّبُ (١) عذابه، كما قال تعالى: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (١٨)﴾ [الليل/ ١٧ - ١٨]، فهذا المتَّقِي المُحْسِنُ، ولا يفعلُ ذلك إلا ابتغاءَ وجه ربِّه، فهو مُخْلِصٌ في تقواه وإحسانه.
وفي الآية إرشادٌ إلى أنَّ صاحب التقوى لا ينبغي له أن يتحمَّلَ مِنَنَ الخَلْق [ن/ ٢٠] ويعَمَهُم، وإن حَمَلَ منها شيئًا بادَرَ إلى جزائهم عليه؛ لئلَّا يبقى لأحدٍ من الخَلْقِ عليه نعمةٌ تُجْزَى، فيكون بعد ذلك عمله كلُّه لله وحده، ليس جزاءً للمخلوق على نعمته.
ونبَّه بقوله: ﴿تُجْزَى (١٩)﴾ على أنَّ نعمة الإسلام التي لرسول الله - ﷺ - على هذا الأتقى لا تُجْزَى، فإنَّ كلَّ ذي نعمةٍ يمكن جزاءُ نعمته إلا نعمة الإسلام، فإنَّها لا يمكن جزاؤها من المُنْعَمِ بها عليه (٢)، وهذا يدلُّ على أنَّ الصدِّيقَ -رضي الله عنه- أوَّلُ وأَوْلَى من ذُكِرَ في هذه الآية (٣)، وأنَّه

(١) ضبطت في (ز): تَجنَّبَ، وما أثبته من (ن).
(٢) العبارة في (ح) و (م) هكذا: فإنها لا يمكن المنعم بها عليه أن يجازيها.
(٣) نقل جماعة من المفسرين الاتفاق على أن المراد بـ "الأتقى": أبو بكر الصدِّيق
-رضي الله عنه-؛ منهم: البغوي في "معالم التنزيل" (٨/ ٤٤٨)، والواحديُّ في =


الصفحة التالية
Icon