ولفظ "السَّعيِ" هو: العمل، لكن يراد به العمل الذي يهتمُّ (١) به صاحبُه، ويجتهد فيه [ن/ ٢] بحسب الإمكان؛ فإن كان يفتقر إلى عَدْوِ بَدَنِهِ عَدَا، وإن كان يفتقر إلى جمْع أعوانٍ جَمَع، وإن كان يفتقر إلى تفرُّغٍ له وتَرْكِ غيرِه؛ فَعَل ذلك.
فلفظ "السَّعْي" في القرآن جاء بهذا الاعتبار، ليس هو مُرادِفًا للفظ العمل كما ظنَّهُ طائفةٌ، بل هو عملٌ مخصوصٌ يهتَمُّ به (٢) صاحبه، ويجتهد فيه، ولهذا قال في الجُمُعَة: ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة/ ٩]، وهذه أحسن من قراءة من قرأ: ﴿فامْضُوا إلى ذكر الله﴾ (٣).
وقد ثبت في "الصحيح" عن النبي - ﷺ - أنَّه قال: "إذا أُقِيمَت الصَّلاَةُ فلا تأتوها (٤) تَسْعَون، وأْتُوها تمشُون، وعليكم السَّكِينةُ، فما أدركتُم فصَلُّوا، وما فَاتكُم فأتِمُوا" (٥)، فلم ينْهَ عن السَّعْي إلى الصلاة؛ فإنَّ الله -تعالى- أمرَ بالسَّعْي إليها، بل نَهَاهُم أن يأتوها يَسْعَون، فنَهَاهُم عن الإتيان المُتَّصِفِ بسعي صاحبه، والإتيانُ فِعْلُ البَدَن، وسَعْيُهُ عَدْوُ البدن، وهذا منهيٌّ عنه.
(٢) من (ح) و (م)، وسقط من باقي النسخ.
(٣) قرأ بها جماعة من أكابر الصحابة والتابعين، وليست من القراءات المتواترة. انظر: "المحتسب" لابن جنِّي (٢/ ٣٢١ - ٣٢٢)، و"معاني القرآن" للزجَّاج (٥/ ١٧١)، و"البحر المحيط" (٨/ ٢٦٥).
قال الفرَّاء: "المُضِيُّ، والسَّعيُ، والذَّهَابُ؛ في معنىً واحدٍ، يدل على ذلك قراءة ابن مسعود: فامضوا إلى ذكر الله". "معاني القرآن" (٣/ ١٥٦).
(٤) في (ز) و (ك) و (ن) زيادة: وأنتم، ولفظ الصحيحين بدونها.
(٥) أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم (٦١٠ و ٨٦٦)، ومسلم في "صحيحه" رقم (٦٠٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.