﴿وَتَوَاصَوْا﴾؛ فإنَّ التَّوَاصي هو أَمْرُ الغَير بالإيمان والعمل الصالح، وهو قدرٌ زائدٌ على مجرَّدِ فعله، فمن لم يكن كذلك فقد خَسِر هذا الربح، فصار في خُسْرٍ، ولا يلزم أن يكون في أسفل سافلين، فإنَّ الإنسان قد يقوم بما يجب عليه ولا يأمر غيره به (١)، فإنَّ الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر مرتبةٌ زائدةٌ؛ وقد يكون فرضًا على الأعيان، وقد يكون فرضًا على الكفاية، وقد يكون مستحبًّا.
و"التواصي بالحقِّ" يدخل فيه: الحق الذي يجب، والحقُّ الذي يستحب. و"الصبر" يدخل فيه: الصبر الذي يجب، والصبر الذي يستحب.
فهؤلاء إذا تواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر حصل لهم من الربح ما خسره أولئك الذين قاموا بما يجب عليهم في (٢) أنفسهم ولم يأمروا غيرهم به، وإن كان أولئك لم يكونوا من الذين خسروا أنفسهم وأهليهم.
فمُطْلَقُ الخَسَار شيءٌ، والخَسَارُ المطلقُ شيءٌ، وهو -سبحانه- إنَّما قال: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢)﴾، ومن ربح في سلعةٍ وخسر في غيرها قد يطلق عليه أنَّه: في خُسْرٍ، وأنَّه: ذو خُسْرٍ، كما قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "لقد فرَّطْنا في قَرَارِيطَ كثيرةٍ" (٣) [ك/ ٢٨ أ] (٤)، فهذا
(٢) في (ز): من.
(٣) أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم (١٢٦٠)، ومسلم في "صحيحه" رقم (٩٤٥)؛ من طريق جرير بن حازم قال: سمعتُ نافعًا يقول:
حُدِّثَ ابنُ عمر: أنَّ أبا هريرة -رضي الله عنهم- يقول: "من تَبعَ جَنازةً فله قيراطٌ"
فقال: أكثر أبو هريرة علينا. فبعث إلى عائشة فسألها، فصدَّقت أبا هريرة، وقالت:
سمعتُ رسول الله - ﷺ - يقوله. فقال ابن عمر -رضي الله عنهما-... فذكره.
(٤) من هنا يبدأ السقط في النسخة (ك)، وينتهي (ص/١٩٤).