لعباده من سلوك سبيلهم، وأنَّ من فعل فعلهم فُعِلَ به كما فُعِلَ بهم.
ثُمَّ أخبر عن أعدائه بأنَّهم مكذِّبون بتوحيده ورسالاته مع كونهم في قبضته، وهو محيطٌ بهم، ولا أسوأَ حالاً ممَّن (١) عادَى من هو في قبضته، ومن هو قادرٌ عليه (٢) من كلِّ وجهٍ، وبكل اعتبارٍ، فقال تعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠)﴾ [البروج: ١٩ - ٢٠]، فهل أعجَبُ ممَّن كَفَرَ بمن هو محيطٌ به، آخِذٌ بناصيته، قادِرٌ عليه؟!
ثُمَّ وصَفَ كلامَهُ بأنَّه "مجيدٌ"، وهو أحقُّ بالمجد من كلِّ كلام، كما أنَّ المتكلِّم به له المجد كلُّه، فهو "المجيد"، وكلامُه مجيدٌ، وعرشه مجيدٌ.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "قرآنٌ مجيدٌ: كريم" (٣)؛ لأنَّ كلامَ الرَّبِّ ليس هو كما يقول الكافرون: شعرٌ، وكهانةٌ، وسحرٌ. وقد تقدَّمَ أنَّ "المجدَ": السَّعَةُ، وكثرةُ الخير (٤)؛ وكثرةُ خير القرآن لا يعلمها إلا من تكلَّم به.
وقوله: ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)﴾ [البروج: ٢٢]؛ أكثر القُرَّاء على الجرِّ،
(٢) من (ح) و (م)، وفي باقي النسخ: عليهم.
(٣) ذكره البخاري معلقًا في كتاب التوحيد، باب: "وكان عرشه على الماء".
ووصله: ابن أبي حاتم في "تفسيره" -كما في "تغليق التعليق" (٥/ ٣٤٥) -، وابن جرير في "تفسيره" (١٢/ ٥٢٩)، وانظر: "الفتح" (١٣/ ٤١٩).
وزاد السيوطي نسبته إلى: ابن المنذر، والبيهقي في "الأسماء والصفات". "الدر المنثور" (٦/ ٥٥٧).
(٤) راجع (ص/ ١٤٧).