والثاني: في باب القَسَم، نحو: سألتُكَ بالله لمَّا فَعَلْتَ.
قال أبو علي الفارسيُّ (١): "من خفَّفَ كانت "إنْ" عنده هي المخفَّفة من الثقيلة، و"اللاَّمُ" في خبرها هي الفارقة بين "إنْ" النَّافية والمخَفَّفَة (٢). و"ما" زائدة، و"إنْ" هي التي يُتَلقَّى بها القَسَمُ، كما يُتَلَقَّى بالمثقَّلة.
ومن قرأها مشدَّدةً كانت "إنْ" عنده نافية بمعنى "ما"، و"لمَّا" في معنى "إلَّا". قال سيبويه، عن الخليل -في قولهم: نشدتُكَ باللهِ لَمَّا فَعَلْتَ- قال المعنى: إلَّا فَعَلْتَ" (٣).
ثُمَّ نبَّهَ -سبحانه- الإنسانَ على دليل المَعَاد بما يشاهده من حال مبدئه، على طريقة القرآن في الاستدلال على المعاد بالمبدأ، فقال: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥)﴾ [الطارق: ٥] أي: "فلينظر نظر الفكر والاستدلال ليعلم أنَّ الذي ابتدأ خَلْقَهُ من نُطفةٍ قادرٌ على إعادته" (٤).
ثُمَّ أخبر -سبحانه- أنَّه خُلِقَ من ماءٍ دافِقٍ.
و"الدَّفْقُ": صَبُّ الماءِ، يقال: دَفَقْتُ الماءَ فهو مَدْفُوقٌ، ودَافِقٌ،
انظر: "نزهة الألباء" (٣١٥)، و"إنباه الرواة" (١/ ٣٠٨).
(٢) في (ن) و (ح) و (م): والخفيفة.
(٣) "الحُجَّة للقُرَّاء السبعة" (٦/ ٣٩٧).
(٤) هذا كلام ابن الجوزي في "زاد المسير" (٨/ ٢٢٤).