فعلَهم، وانبِغاءَهُ (١) منهم، وقدرتهم عليه.
وكُلُّ من له أدنى خبرةٍ بأحوال الشياطين والمجانين والمُتَّهمين، وأحوال الرُّسُل؛ يعلَمُ علمًا لا يُمَاري فيه ولا يشُكُّ -بل علمًا ضروريًّا، كسائر الضروريَّات- منافَاةَ أحدهما للآخر، ومضادَّته له، كمنافاة أحد الضِّدَّين لصاحبه، بل ظهورُ المنافاة بين الأمرين للعقل أَبْيَنُ من ظهورُ المنافاة بين النُّور والظُّلْمة للبصر.
ولهذا وَبَّخَ -سبحانه- من كَفَر بعد ظهور هذا الفرق المبين بين دعوة الرُّسُل (٢) ودعوة الشياطين (٣)، فقال تعالى: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦)﴾، قال أبو إسحاق: "المعنى: فأَيَّ طريقٍ تسلكون أَبْيَنَ من هذه الطريقة التي بَيَّنْتُ لكم؟ " (٤).
قلت: هذا من أحسن الإلزام (٥) وأَبْيَنه، أن تُبيِّنَ للسامع الحقَّ ثُمَّ تقول له: أَيْشٍ تقول خلاف هذا؟ وأين تذهب خلاف هذا؟! قال تعالى: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠)﴾ [المرسلات: ٥٠]، وقال تعالى: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦)﴾ [الجاثية: ٦]، فالأمر منحصِرٌ في الحق والباطل، والهُدَى والضلال، فإذا عدلتم عن الهُدَى والحقِّ، فأين العدل، وأين المذهب؟!
ونظير هذا قوله سبحانه: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي
(٢) في (ن) و (ح) و (ط): الرسول.
(٣) في (ز): الشيطان.
(٤) "معاني القرآن" (٥/ ٢٩٣).
(٥) في (ح) و (م): اللازم.