سبحانه- قد يشاء من عبده المشيئةَ وحدَها، فيشاء العبدُ الفعلَ ويريده ولا يفعله؛ لأنَّه لم يشأ من نفسه -سبحانه- إعانتَهُ عليه، وتوفيقَهُ له.
وقد دلَّ على هذا وهذا قوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)﴾ [التكوير: ٢٩]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [المدثر: ٥٦].
وهاتان الآيتان متضمِّنَتَان إثباتَ: الشرعِ والقَدَرِ، والأسبابِ والمسبِّباتِ، وفعلِ العبد واستنادِه إلى فعل الرَّبِّ.
ولكلٍّ منهما عبوديةٌ تختَصُّ بها:
فعبودية الآية الأُولَى: الاجتهادُ، واستفراغُ الوسع، والاختيارُ، والسَّعْي.
وعبودية الثانية: الاستعانةُ بالله، والتوكُّلُ عليه، واللَّجأُ إليه، واستنزالُ التوفيقِ والعَوْنِ منه، والعلمُ بأن العبد لا يمكنه أن يشاءَ ولا يفعلَ حتَّى يجعله الله كذلك.
وقوله: ﴿رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)﴾ ينتظمُ ذلك كلَّه ويتَضَمَّنُه، فمن عطَّلَ أحد الأمرين فقد جحد كمال الربوبية وعطلَّها، وبالله التوفيق.


الصفحة التالية
Icon