وقال أبو صالح: "هي الأمطار تنشر الأرض، أي: تحييها" (١).
قلت: ويجوز أن تكون "النَّاشِرات" لازمًا لا مفعول له، ولا يكون المراد أنَّهنَّ يَنشُرنَ كذا، فإنَّه يقال: نَشَرَ الميتُ، أي: حَيِىَ، وأَنْشَرَهُ الله: إذا أحياه، فيكون المرادُ بها: الأنفسَ التي حَييَتْ بالعُرْفِ الذي أرسلت به "المُرْسَلاَت" (٢)، أو (٣) الأشباحَ والأرواحَ والبقاعَ التي حَيِيَتْ (٤) بالرِّياح المرسلات، فإنَّ "الرِّياحَ" سببٌ لنشور الأبدان والنَّبَات، والوحيَ سببٌ لنشور الأرواح وحياتها.
لكنْ هنا أمرٌ ينبغي التفطُّن له، وهو أنَّه -سبحانه- جعل الإقسام في هذه السورة نوعين، وفَصَل أحدهما من الآخر، وجعل "العَاصِفَات" معطوفًا على "المرسلات" بـ"فاء" التعقيب، فصارا كأنَّهما نوعٌ واحدٌ، ثُمَّ جعل "النَّاشرات" كأنَّه قَسَمٌ مبتَدَأٌ فأتى فيه بـ"الواو"، ثُمَّ عطف عليه "الفَارِقات" و "المُلْقِيَات" بـ"الفاء"، فأوهم هذا أنَّ "الفارقات" و"المُلقيات" (٥) مرتبطٌ بـ"النَّاشرات"، وأنَّ "العَاصِفَات" مرتبطٌ بـ"المُرْسَلاَت" (٦).
وقد اختلف في "الفَارقات"؛ والأكثرون على أنَّها الملائكة، ويدلُّ عليه عطْفُ "المُلْقِياتِ ذِكْرًا" عليها بـ"الفاء"، وهي

(١) انظر لهذه الأقوال: "زاد المسير" (٨/ ١٥٤)، و"النكت والعيون" (٦/ ١٧٦)، و"الجامع" (١٩/ ١٥٣)، و"المحرر الوجيز" (١٥/ ٢٥٩).
(٢) في (ن) و (ز) و (ك): المرسَلة، وفي (ط): المرسلين!
(٣) في (ز) بالواو العاطفة بدل "أو"، وفي (ك): إذ.
(٤) من قوله: "بالعُرْف الذي أرسلت به... " إلى هنا؛ ملحق بهامش (ن).
(٥) من قوله: "بـ"الفاء"، فأوهم... " إلى هنا؛ ساقط من (ز)، وألحقت بهامش (ن).
(٦) "وأنَّ "العاصفات" مرتبط بـ"المرسلات"" ملحق بهامش (ن).


الصفحة التالية
Icon