الثامن: أنَّ الآية إنَّما سيقت لبيان يأسه من نفسه، ويأس الحاضرين معه، وتحقق أسباب الموت، وأنَّه قد حضر ولم يبق شيءٌ يَنْجَعُ فيه، ولا يُخَلِّص (١) منه، بل هو قد ظنَّ أنَّه مُفَارِقٌ (٢) لا محالة، والحاضرون قد علموا أنَّه لم يبق لأسباب الحياة المعتادة تأثيرٌ في بقائه، فطلبوا أسبابًا خارجةً عن المقدور تُسْتَجْلَبُ [بـ] (٣) ـالرُّقَى والدَّعَوَات، فقالوا: مَنْ رَاقٍ؟ أي: مَنْ يَرْقِي هذا العليل مِن أسباب الهلاك. والرُّقْيَة عندهم كانت مستعملةً حيث لا يُجْدِي الدواء.
التاسع: أنَّ مثل هذا إنَّما يراد به النَّفْي والاستبعاد، وهو أحد التقديرين في الآية، أي: لا أحد يَرْقي من هذه العلَّة بعدما وصل صاحبها إلى هذه الحال، فهو استبعادٌ لنفع الرُّقْيَة؛ لا طلبٌ لوجود الراقي، كقوله تعالى: ﴿قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)﴾ [يس: ٧٨] أي: لا أحد يُحْييها وقد صارت إلى هذه الحال.
فإن أريد بها هذا المعنى استحال أن يكون من "الرُّقِيِّ" (٤)، وإن أريد بها الطلب استحال -أيضًا- أن يكون منه، وقد بينَّا أنَّها في مثل هذا إنَّما تُستعمل للطلب أو للإنكار، وحينئذٍ فنقول في:
الوجه العاشر: إنَّها إمَّا أن (٥) يراد بها الطلب، أو الاستبعاد.
والطَّلَبُ: إمَّا أن يراد به طلب الفعل، أو طلب التعيين. ولا سبيل إلى
_________
(١) في (ح) و (م): مَخْلَصَ.
(٢) من (ح) و (م)، وفي باقي النسخ: يُفَارق.
(٣) زيادة لابد منها، وليست في النسخ.
(٤) في (ز) و (ط) و (م): الراقي.
(٥) بياض في (ز).