وهذا ممَّا لا خفاء فيه بين أهل السُّنَّة، وبه يتبيَّنُ فساد قولِ من قال: إنَّ القدرة لا تكون إلا مع الفعل لا قبله، وأنَّ الصواب التفصيل بين القدرة الموجِبة والمصحِّحَة، فَنَفْيُ القدرة عن الفاعل قبل الملابسة -مطلقًا- خطأٌ، والله أعلم.
فصل
ومن أسرارها أنَّها تضمَّنَت التَّأَنِّى والتثبُّتَ في تلقِّي العلم، وأن لا يحمل السامعَ شدَّةُ محبته وحرصه وطلبه على مبادرة المعلِّم بالأخذ قبل فراغه من كلامه، بل من آداب الرَّبِّ التي أدَّبَ بها نبيَّهُ - ﷺ - أَمْرُهُ بترك الاستعجال على تلقِّي الوحي، بل يصبر إلى أن يفرغ جبريل من قراءته، ثُمَّ يقرأه بعد فراغه عليه. فهكذا ينبغي لطالب العلم ولسامعه أن يصبر على معلِّمه حتَّى يقضي كلامه، ثُمَّ يعيده عليه، أو يسأله عمَّا أشكَلَ عليه منه، ولا يبادره قبل فراغه.
وقد ذكر الله -تعالى- هذا المعنى في ثلاثة مواضع من كتابه؛ هذا أحدها.
والثاني: قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (١١٣) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: ١١٣ - ١١٤].
والثالث: قوله تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧)﴾ [الأعلى: ٦ - ٧]، فضَمِنَ لرسوله أنَّه لا ينسى ما أَقْرَأَهُ إيَّاهُ، وهذا يتناول حال القراءة وما بعدها.
وقد ذَمَّ الله -سبحانه- في هذه السورة من يُؤْثر العاجلة على