فصل


ومن أسرارها أنَّ (١) إثباتَ النُبوَّةِ والمَعَاد يُعْلَمُ بالعقل، وهذا أحد القولين لأصحابنا وغيرهم، وهو الصواب؛ فإنَّ الله -سبحانه- أنكر على مَنْ حَسِبَ أنَّه يُتْرَكُ سُدَىً: فلا يُؤمَر، ولا يُنْهَى، ولا يُثاب، ولا يُعَاقَب.
ولم يَنْفِ -سبحانه- ذلك بطريق الخبر المجرَّدِ، بل نفاه نَفْيَ ما لا يليق نسبته إليه، ونَفْيَ مُنْكِرٍ على من حكم به وظنَّه.
ثُمَّ استدلَّ -سبحانه- على فساد ذلك، وبيَّن أن خَلْقَهُ الإنسانَ في هذه الأطوار، وتنفُّلَه فيها طَوْرًا بعد طَوْرٍ حتَّى بلغ نهايته؛ يأبى أن يتركه سُدَىً، وأنَّه تنَزَّهَ عن ذلك كما تنَزَّهَ عن العَبَثِ، والعَيْبِ، والنَّقْصِ.
وهذه طريقة القرآن في غير موضع كما قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: ١١٥ - ١١٦]، فجَعَلَ كمَالَ مُلْكه، وكونَهُ -سبحانه- الحقَّ، وكونَهُ لا إله إلا هو، وكونَهُ ربَّ العرش المستلزِم لربوبيته لكلِّ ما دونه = مبطِلاً لذلك الظَّنِّ الباطل، والحكم (٢) الكاذب.
وإنكارُ هذا الحُسْبَان عليهم مثلُ إنكاره عليهم حُسْبَانَهم أنَّه لا يسمع سِرَّهم ونجواهم، وحُسْبَانَ أنَّه لا يراهم ولا يقدر عليهم، وحُسْبَانَ أنَّه يُسَوِّي بين أوليائه وبين أعدائه في محياهم ومماتهم، وغير ذلك ممَّا هو منزَّهٌ عنه تنزُّهَه (٣) عن سائر العيوب والنقائص، وأنَّ نسبة
(١) من (ح) و (م)، وسقط من باقي النسخ.
(٢) ساقط من (ز).
(٣) في (ك) و (ح) و (م): تنزيهه.


الصفحة التالية
Icon