والثانية: قوله -عزَّ وجلَّ-: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ الآية [يونس: ٥].
والثالثة: قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ الآية [الإسراء: ١٢].
فلولا ما يُحْدِثُه الله -سبحانه- في آية الليل من زيادة ضوئها ونقصانه؛ لم يُعْلم ميقات الحجِّ، والصوم، والعِدَدِ، ومُدَّةِ الرَّضَاعِ، ومدَّةِ الحمْلِ، ومُدَّةِ (١) الإجارة، ومُدَّةِ آجال المعاملات.
فإن قيل: كان يمكن عِلْمُ هذا بحركة الشمس، وبالأيام التي تُحْفَظُ بطلوع الشمس وغروبها، كما يعرف أهل الكتابين مواقيت صيامهم وأعيادهم بحساب الشمس.
قيل: هذا وإن كان ممكنًا إلا أنَّه يَعْسُرُ ضَبْطُه، ولا يقف عليه إلا الآحاد من النَّاس، ولا ريب أنَّ معرفةَ أوائل الشهور وأوساطِها وأواخِرِها بالقمر أمرٌ يشترك فيه النَّاس، وهو أسهل من معرفة ذلك بحساب الشمس، وأقل اضطرابًا واختلافًا، ولا يحتاج إلى تكلُّفِ حسابٍ، وتقليدِ (٢) من لا يعرفه من النَّاس لمن يعرفه، فالحكمةُ الباهرةُ التي في تقدير السنين والشهور بسير القمر أظهرُ، وأنفعُ، وأصلحُ، وأقلُّ اختلافًا من تقديرها بسير الشمس.
فالرَّبُّ -جل جلاله- دبَّر الأهِلَّةَ بهذا التدبير العجيب لمنافع خلقه

(١) ساقط من (ز).
(٢) تصحفت في (ك) إلى: تقليل.


الصفحة التالية
Icon