الكواكب انتثارَها، وعُبَّادَ السماءِ انفطارها، وعُبَّادَ الشمسِ تكويرها، وعُبَّادَ الَأصنام إهانتها وإلقاءها في النَّار أحقرَ شيءٍ وأذلَّه وأصغَرَهُ، كما أَرَى عُبَّادَ العِجْل في الدنيا حالَه، ومَبَارِدُ عِبَادِهِ تَسْحَقُهُ وتَمْحَقُهُ، والرِّيحُ تمزِّقُه وتَذْرُوه وتَنسِفُه في اليَمِّ، وكما أَرَى عُبَّادَ الأصنام في الدنيا صُوَرَها مكسَّرَةً مُخَرْدَلَةً مُلقاةً بالأمكنة القَذرة، ومعاوِلُ الموحِّدِين قد هشَّمَت منها تلك الوجوه، وكسَّرَت تلك (١) الرؤوس، وقطَّعت تلك الأيدي والأرجل التي كانت لا يُوصَلُ إليها بغير التقبيل والاستلام.
وهذه سُنَّتُهُ التي لا تُبدَّل، وعادته التي لا تُحَوَّل: أنَّه يُرِي عابِد غيره حالَ معبوده في الدنيا والآخرة، وإن كان المعبودُ غير راضٍ بعبادته (٢) أَرَاهُ تَبَرِّيهِ منه، ومعاداته له؛ أحوجَ ما يكون إليه، ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: ٤٢]، ويعلم الذين كفروا أنَّهم كانوا كاذبين.

تأمَّلْ سُطُورَ الكائنَاتِ فإنَّها من المَلِكِ الأعلَى إليكَ رَسَائِلُ
وقد خُطَّ فيها لو تأمَّلْتَ خَطَّها "أَلاَ كُلُّ شيءٍ ماخَلاَ اللهَ باطِلُ" (٣)
(١) ساقط من (ن) و (ك) و (ط).
(٢) في (ح) و (م): بعبادة غيره.
(٣) البيتان لركن الدِّين ابن القَوبَع المالكي؛ محمد بن محمد بن عبد الرحمن الجعفري التونسي (٧٣٨ هـ)، شيخ الديار المصرية والشامية.
انظر: "أعيان العصر" (٥/ ١٦٣)، و"الدرر الكامنة" (٤/ ١٨٣)، و"بغية الوعاة" (١/ ٢٢٨)، و"ريحانة الألبا" (١/ ٢١٦)، ولفظه:
تأمَّلْ صحيفَاتِ الوُجُودِ فإنَّها من الجانب السَّامي إليكَ رَسَائلُ
وقد خطَّ فيها إنْ تأمَّلْتَ خطَّهاَ "أَلاَ كلُّ شيءٍ ما خَلاَ الله باطِلُ"
وعجز البيت الثاني مُضَمَّنٌ من قصيدةٍ للبيد بن ربيعة "ديوانه" (١٤٥).


الصفحة التالية
Icon