أحياءً من القبور، يقول قائلهم: "الحَمْدُ للهِ الذي أحيَانَا بعدَمَا أمَاتَنَا وإليه النُّشُور" (١)، فهو مَعَادٌ جديدٌ، أَبْدَأَهُ وأَعَادَهُ الذي يُبْدِئُ ويُعِيدُ، فمَنْ ذَهَب بالليل وجاء بالنَّهار سوى الواحد القهَّار؟
فمن تأمَّلَ حال الليلِ إذا عَسْعَسَ وأَدْبَرَ، والصُّبْحِ إذا تنفَّسَ وأَسْفَرَ، فهزمَ جيوشَ الظلام بنَفَسِهِ، وأضاءَ أُفُقَ العالَم بِقَبَسِه، وفَلَّ كتائبَ المواكب بعساكره، وأضحكَ نواحي الأرض بتباشِيره وبشائره، فيالَهُما آيتان شاهدتان بوحدانية مُنْشِئِهما، وكمالِ ربوبيته، وعظيم قدرته وحكمته.
فتبارَك الذي جعل طلوعَ الشمس وغروبَها مقيمًا لسلطان الليل والنَّهار، فلولا طلوعها لبَطَلَ أمرُ العالَم كلِّه، فكيف كان النَّاس يَسْعَون في معايشهم، ويتصرَّفُون في أمورهم؛ والدنيا مظلمةٌ عليهم؟! وكيف كانت تَهْنِيهم الحياة مع فقْد لذَّة النُّورِ وروحه؟! وأىُّ ثمارٍ ونباتٍ وحيوانٍ كان يوجد؟! وكيف كانت تتمُّ مصالح أبدان الحيوان والنَّبَات؟! ولولا غروبُها لم يكن للنَّاس هُدُوءٌ ولا قَرَارٌ (٢)، مع عِظَمِ حاجتهم إلى الهُدُوءِ؛ لراحة أبدانهم، وجُمُومِ حواسِّهم (٣). فلولا جُثُوم هذا الليل
(٢) في (ز): هو ولا قدار!
(٣) في (ز): جمومٌ حواسمهم، وفي (ن): جمومٌ حواسم! والمثبت من (ح) و (م) و (ط).
و"الجُمُوم": مصدر جَمَّ يَجُمُّ: اجتَمَع وكَثُر.
والمعنى: أنَّه بغروب الشمس تهدأ الحواسُّ وتسكن، فتجتمع فيها قُوَاها من =