وصدق ما أخبر به رسوله - ﷺ -، ومَنْ لم يباشر قلبُهُ ذلك حقيقةً لم تخالط بشاشة الإيمان قلبَهُ.
ثُمَّ ذكر -سبحانه- المُقْسَمَ عليه فقال: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠)﴾ [الحاقة: ٤٠]، وهذا رسوله البَشَرىُّ محمدٌ - ﷺ -، وفي إضافته إليه باسم الرسالة أَبْيَنُ دَلاَلَةٍ (١) أنَّه كلام المُرْسِل له حقيقةً، وكلام رسوله تبليغًا؛ إذ حقيقة الرسول مَنْ يُبلِّغ كلام المرسِل، فمن أنكر أن يكون اللهُ قد تكلَّم بالقرآن فقد أنكر حقيقة الرسالة. ولو كانت إضافته إليه إضافةَ إنشاءٍ وابتداءٍ لم يكن رسولاً، ولَنَاقَضَ ذلك إضافته إلى رسوله المَلَكي في "سورة التكوير".
ثُمَّ بيَّن -سبحانه- كَذِبَ أعدائه وبَهْتَهم في نسبة كلامه -تعالى (٢) - إلى غيره، وأنَّه لم يتكلَّم به، بل قاله من تلقاء نفسه، كما بيَّنَ كذِبَ من قال: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥)﴾ [المدثر: ٢٥]، فمن زعم أنَّه قول البشر فقد كفر، وسيصليه الله سقر.
ثُمَّ أخبر -سبحانه- أنَّه تنزيلٌ من ربِّ العالمين، وذلك يتضمَّن أمورًا:
أحدها: أنَّه -تعالى- فوق خلقه كلِّهم، وأنَّ القرآن نَزَلَ من عنده.
والثاني: أنَّه كلامه (٣) تكلَّمَ به حقيقةً، لقوله: ﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٠)﴾ [الواقعة: ٨٠]، ولو كان غيره هو المتكلِّمُ به لكان من ذلك
(٢) في (ز): كلام ربِّ العالمين.
(٣) ساقط من (ح) و (م).