وقد قيل: إنَّ "ما" مصدريَّة (١)، فيكون الإقسامُ بنفس فعله تعالى،
فيكون قد أقسم بالمصنوع الدَّالِّ عليه سبحانه، وبصنعته الدَّالَّةِ على كمال علمه، وقدرته، وحكمته، وتوحيده.
ولمَّا كانت حركة الشمس والقمر، والليل والنَّهار؛ أمرًا يشْهَدُ النَّاسُ حُدُوثَهُ شيئًا فشيئًا، ويعلمون أنَّ الحادث لابدَّ له من مُحْدِث = كان العلم بذلك منزَلاً منزلة ذكر المُحْدِثِ له لفظًا، فلم يذكر الفاعل في الأقسام الأربعة الأُوَل.
ولهذا يسلُكُ طائفةٌ من النُّظَار الاستدلالَ بالزَّمان على الصانع، وهو استدلالٌ صحيحٌ؛ قد نبَّهَ عليه القرآنُ في غير موضع، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠)﴾ [آل عمران: ١٩٠].
ولمَّا كانت السماءُ والأرضُ ثابتتين -حتَّى ظَنَّ من ظَنَّ أنَّهما قديمتان (٢) - ذكر مع الإقسام بهما بانيهما ومبدعهما، وكذلك "النَّفْس"؛ فإنَّ حدوثَها غيرُ مشهودٍ، حتَّى ظنَّ بعضُهم قِدَمَها، فذَكَرَ مع الإقسام بها مُسَوِّيها وفاطِرَها، هذا مع ما في ذكر بناءِ السماء، وطَحْوِ الأرض، وتسوية "النَّفْس"؛ من الدلالة على الرحمة والحكمة والعناية بالخلق، فإنَّ بناء السماء يدلُّ على أنَّها كالقُبَّةِ العالية على الأرض، وجعلها سقفًا لهذا العالم.
وهذا قول قتادة. واختاره: الفرَّاء، والزجَّاج، والمبرِّد، وغيرهم.
انظر: "الجامع" (٢٠/ ٧٤).
(٢) في (ز): قد يميدان!