كَذَب على الله، وافترى عليه هذا القرآن، فأجابهم بأحسن جوابٍ، وهو أنَّ الله -سبحانه- قادرٌ لا يعجزه شيءٌ، فلو كان كما تقولون لختم على قلبه، فلا يمكنه أن يأتي بشيءٍ منه، بل يصير القلب كالشيء المختوم عليه فلا يُوصَل إلى ما فيه، فيعود المعنى إلى أنَّه: لو افتراهُ عليَّ لم أُمَكِّنْهُ، ولم أُقِرَّه.
ومعلومٌ أنَّ مثل هذا الكلام لا يصدر من قلبٍ مختومٍ عليه؛ فإنَّ فيه من علوم الأوَّلين والآخرين، وعلمِ المبدأ والمعَاد، والدنيا والآخرة، والعلمِ الَّذي لا يعلمه إلا الله، والبيانِ التامِّ (١)، والجَزَالةِ، والفصاحةِ، والجلالةِ، والإخبارِ بالغيوب = ما لا يمكن مَنْ خُتِمَ على قلبه أن يأتي بمثله (٢) ولا ببعضه، فلولا أنِّي أنزلتُهُ على قلبه، ويَشَرْتُه بلسانه؛ لَمَا أَمْكَنَهُ أن يأتيكم بشيءٍ منه. فأين هذا (٣) المعنى إلى المعنى الذي ذكره الآخرون؟! وكيف يلتئم معنى حكاية قولهم؟! وكيف يتضمَّنُ الردَّ عليهم؟!
الوجه الثاني: أنَّ مجرَّدَ الرَّبْطِ على قلبه بالصبر على أذاهم يصدر من المُحِقِّ والمُبْطِل، فلا يدلُّ ذلك على التمييز بينهما، ولا يكون فيه رَدٌّ لقولهم، فإنَّ الصبر على أذى المكذِّب لا يدلُّ بمجرده على صِدْقِ المُخْبِرِ.
الثالث: أن الرَّبْطَ على قلب العبد بالصبر لا يقال له: خُتِمَ على قلبه، ولا يعرف هذا في عُرْفِ المخاطب، ولا لغة العرب، ولا هو
(٢) في (ح) و (م): به.
(٣) بعده في (ز) زيادة: من.