فصل
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢)﴾ [القلم: ١ - ٢].
الصحيح أنَّ "ن" و"ق" و"ص" من حروف الهجاء التي يفتتح الرَّبُّ -سبحانه- بها بعض السور، وهي: أُحادية، وثُنائية، وثُلاثية، ورُباعية، وخماسية، ولم تُجَاوِز الخمسة، ولم تُذكر -قَطُّ- في أوَّل سورةٍ إلا وَعَقِبَها يُذْكَرُ القرآنُ؛ إمَّا مُقْسَمًا به، وإمَّا مُخْبَرًا عنه، ما خلا سورتين: سورة "كهيعص"، و"ن". كقوله تعالى: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة: ١ - ٢]، ﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ [آل عمران: ١ - ٣]، ﴿المص (١) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١ - ٢]، ﴿المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: ١]، وهكذا إلى آخرها.
ففي هذا تنبيهٌ على شَرَفِ هذه الحروف، وعِظَمِ قَدْرِها، وجلالتها؛ إذ هي مباني كلامه، وكُتُبه التي تكلَّم -سبحانه- بها، وأَنزلها على رسله، وهَدَى بها عباده، وعَرَّفَهُم بواسطتها (١) نفسَهُ، وأسماءه، وصفاته، وأفعاله، وأمره، ونهيه، ووَعْدَهُ، ووَعِيدَهُ، وعرَّفَهم بها الخيرَ والشَّرَّ، والحَسَنَ والقبيحَ، وأقدرهم (٢) على التكلُّم بها، بحيث يبلغون بها أقصى ما في أنفسِهِم، بأسهل طريقٍ، وأَقَلِّهِ (٣) كُلْفَةً ومشقَّةً، وأَوْصَلِهِ إلى المقصود، وأَدَلِّهِ عليه، وهذا من أعظم نعمه عليهم،
(١) ساقط من (ز) و (ن) و (ك) و (ط).
(٢) في (ز) و (ن) و (ك) و (ط): وقدرهم.
(٣) في (ح) و (م): وقلَّة.
(٢) في (ز) و (ن) و (ك) و (ط): وقدرهم.
(٣) في (ح) و (م): وقلَّة.