لولا عجائِبُ صُنْعِ اللهِ ما ثَبَتَتْ... تلك الفَضَائِلُ في لَحْمٍ ولا عَصَبِ (١)
فسبحانَ من هذا صُنْعُهُ في هواءٍ يخرج من قَصَبة "الرِّئة"، فَيَنْضَمُّ في "الحُلْقُوم"، ثُمَّ يَنْفَرِشُ في أقصى "الحَلْق"، ووسطه، وآخره، وأعلاه، وأسفله، وعلى وسط "اللِّسَان"، وأطرافه، وبين "الثَّنَايا"، وفي "الشَّفَتين"، و"الخَيْشُوم"، فَيُسْمَعُ له عند كل مَقْطَعٍ من تلك المقاطع صوتٌ غير صوت المقطع المجاور له؛ فإذا هو: "حُرُوفٌ".
فألهَم -سبحانه- الإنسانَ نَظْمَ (٢) بعضِها إلى بعضٍ، فإذا هي كلماتٌ قائمةٌ بأنفسها، ثُمَّ أَلْهَمَهُم تأليف تلك الكلمات بعضها إلى بعضٍ فإذا هي (٣) كلامٌ دالٌّ على أنواع المعاني: أمرًا، ونهيًا، وخبرًا، واستخبارًا، ونفيًا، وإثباتًا، وإقرارًا، وإنكارًا، وتصديقًا (٤)، وتكذيبًا، وإيجابًا (٥)، واستحبابًا، وسؤالاً، وجوابًا، إلى غير ذلك من أنواع الخِطَابِ: نَظْمِهِ، ونَثْرِهِ، ووجيزه، ومُطَوَّلِهِ، على اختلاف لُغَاتِ الخلائق. كلُّ ذلك صَنْعتُه -تبارك وتعالى- في هواءٍ مُجَرَّدٍ خارجٍ من باطن الإنسان إلى ظاهره، جَارٍ في مَجَارٍ قد هُيِّئَتْ وأُعِدَّت لتقطيعه وتفصيله، ثُمَّ لِتأْلِيفِهِ وتوصيله، فتبارك الله ربُّ العالمين، وأحسنُ الخالقين، فهذا شأن الحرف المخلوق.

(١) البيت لابن الرومي "ديوانه" (١/ ١٩٦)؛ ولفظه:
لولا عجائب لُطْفِ الله ما نَبتَتْ... تلك الفضائلُ في لحمٍ وفي عَصَبِ
(٢) في (ح) و (م): يضم.
(٣) من قوله: "كلمات قائمة... " إلى هنا؛ ساقط من (ز).
(٤) ساقط من (ز) و (ن) و (ك) و (ط).
(٥) من قوله: "واستخبارًا... " إلى هنا؛ ملحق بهامش (ن).


الصفحة التالية
Icon