أحدهما: نَفْيُ ذلك المعمول فقط، نحو قولك: ما زيدٌ بذاهبٍ مُسْرِعًا، فإنَّه ينتفي الإسراعُ دون القيام، ولا يمتنع أن يثبت له ذهابٌ في غير إسراعٍ.
والثاني: نَفْيُ المحكوم به، فينتفي معموله بانتفائه، فينتفي "الذهاب" في هذا الحال، فينتفي الإسراع بانتفائه.
فإذا جعل ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ معمولاً لـ"مجنون" لَزِمَ أَحَدُ الأمرين، وكلاهما مُنْتَفٍ جزمًا.
وهذا الاعتراض -هُنا- فاسِدٌ؛ لأنَّ المعنى إذا جُعِل (١) "ما أنت بمجنونٍ مُنْعَمًا عليك" لزِمَ من صِدْق هذا الخبر نَفْيُهُما (٢) قطعًا، ولا يصحُّ نفي المعمول وثبوت العامل في هذا الكلام، ولا يَفْهَمُه منه من له آلةُ الفهم، وإنَّما يَفْهَمُ الآدميُّ من هذا الكلام أنَّ الجنون انتفى عنك بنعمة الله عليك، وانتفى عنَّا ما فهمه هذا المعترِضُ بنعمة الله علينا.
ثُمَّ أخبر -سبحانه- عن كمال حالتي نبيِّه - ﷺ - في دنياه وأُخْرَاه فقال تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣)﴾ [القلم: ٣]، أي: غير مقطوعٍ، بل هو دائمٌ مستمرٌّ.
ونَكَّرَ الأجْرَ تنكير تعظيم، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً﴾ [النور: ٤٤]، و ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾ [البقرة: ٢٤٨]، و ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى﴾ [الزمر: ٢١]، و ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (٣١)﴾ [النبأ: ٣١]، و ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥)﴾ [ص: ٢٥]، وهو كثيرٌ، وإنَّما كان التنكير

(١) في (ن) و (ك) و (ح) و (ط) و (م): حصل.
(٢) في (ن) و (ك): تفهمًا، وفي (ط): تفهيمًا.


الصفحة التالية
Icon