٣ - ومنها أنَّ مصدر الأمرين عن علمه تبارك وتعالى، وأنَّ كلاًّ منهما مُنَزَّلٌ فيجب التسليم والإيمان بالأوَّلِ والثاني.
ومن الاعتراض الذي هو فى أعلى درجات الحُسْن قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لقمان: ١٤]، فاعترض بذكر شأن حَمْلِهِ وَوَضْعِهِ بين الوصية والمُوصَى به، توكيدًا لأمر الوصية بالوالدة التي هذا شانها، وتذكيرًا (١) لولدها بحقَها، وما قاسَتْهُ من حَمْلِهِ وَوَضْعِهِ ممَّا لم يتكلَّفْهُ الأَبُ.
ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا﴾ [لبقرة/ ٧٢ - ٧٣]، فاعترض بقوله: ﴿وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ (٢) بين الجُمَل المعطوف بعضها على بعض، إعلامًا بأنَّ تَدَارُؤَهم وتَدَافُعَهم في شان القتيل ليس نافعًا لهم في كتمانه، فإنَّ الله يُظْهِرُهُ ولابُدَّ.
ولا تَسْتَطِلْ هذا الفَصْلَ وأمثالَهُ؛ فإئَه يعطيك ميزانًا، وينهج لك طريقًا يعينك على فَهْمِ الكتاب، والله المستعان.
فصل
ثُمَّ قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧)﴾ [الواقعة: ٧٧]، فوَصَفَه بما يقتضي حُسْنَهُ، وكَثرةَ خَيرِهِ [ك/ ٦٢] ومنافِعِهِ، وجَلاَلَتَهُ؛ فإنَّ "الكريم" هو: البَهِيُّ، الكثيرُ الخيرِ، العظيمُ النفعِ، وهو من كلِّ شيءٍ أحسنُهُ
(٢) من قوله تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا...﴾ إلى هنا؛ ملحق بهامش (ن).