قال مالك: "أحسن ما سمعت (١) في هذه الآية (٢) -يعني قوله: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)﴾ - أنها مثل التي في "عَبَسَ": ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦)﴾ (٣).
ويدلُّ على أنَّه الكتاب الذي بأيدي الملائكة قوله: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)﴾، فهذا يدلُّ على أنَّه (٤) بأيديهم يَمَسُّونَهُ. وهذا هو الصحيح في معنى الآية.
ومن المفسِّرين من قال: إنَ المراد به أنَّ المصحف لا يَمَسُّه إلا طاهرٌ (٥).
والأوَّلُ أرْجَحُ لوجوهٍ (٦):
أحدها: أنَّ الآية سيقت تنزيها للقرآن أنْ تنزِلَ به الشياطين، وأنَّ مَحَلهُ لا يصل إليه فيمسَّهُ إلا المطهَرون، فيستحيل على أَخَابِثِ خلق الله - وأنجسهم أن يصلوا إليه أو يَمَسُّوه، كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [الشعراء: ٢١٠ - ٢١١]، فنفَى

(١) من قوله: "قال مالك.. " إلى هنا؛ ملحق بهامش (ز)، ومن أول الآيات إلى
هنا ملحق بهامش (ن)، لكنه بُتر في التصوير!
(٢) في (م): في هذا، وسقطت من (ز) و (ح).
(٣) "الموطأ" (١/ ١٧٧)، كتاب القرآن، باب: الأمر بالوضوء لمن مسَّ القرآن.
(٤) من قوله:
"الكتاب الذي بأيدي " إلى هنا؛ ساقط من (ك).
(٥) انظر: "تفسير الماوردي" (٥/ ٤٦٤)، و"زاد المسير" (٧/ ٢٩٣).
وهذا الوجه من تفسير الآية يميل إليه أكثر الفقهاء، بينما المفسرون يميلون إلى الوجه الأول، والله أعلم.
(٦) قد ذكر المؤلف في كتابه "مدارج السالكين" (٢/ ٤٦٨) أنه استفاد أكثر هذه الوجوه من شيخ الاسلام رحمه الله. وانظر: "شرح العمدة" (١/ ٣٨٣).


الصفحة التالية
Icon