الفعلَ وتأَتِّيه منهم، وقدرتَهم عليه، فما فعلوا ذلك ولا يليق بهم، ولا يقدرون عليه. فإنَّ الفعلَ قد ينتفي عمَّنْ يَحْسُنُ منه، وقد يليق بمن لا يقدر عليه، فنَفَى عنهم الأمور الثلاثة.
وكذلك قوله -تعالى- في سورة "عبس": ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦)﴾ [عبس: ١٣ - ١٦]، فوصَفَ مَحَلَّهُ بهذه الصفات بيانًا أن الشيطان لا يمكنه أن يتنزَّلَ به.
وتقرير هذا المعنى أهمُّ وأجلُّ وأنفعُ من بيان كون المصحف لا يمسُّه إلا طاهرٌ.
الوجه الثاني: أنَّ السورةَ مكَيَّةٌ، والاعتناء في [ز/ ٨٠] السُّوَرِ (١) المكَيَّةِ إنَّما هو بأصول الدِّين، من تقرير التوحيد، والمَعَاد، والنُّبوَّة. وأمَّا تقرير الأحكام والشرائع فمظِنَّتُهُ السُّوَرُ المدنيَّةُ.
الثالث: أنَّ القرآنَ لم يكن في مُصْحَف عند نزول هذه الآية، ولا في حياة رسول الله - ﷺ -، وإنَّما جُمِعَ في المصحف في خلافة أبي بكر.
وهذا وإنْ جازَ أن يكون باعتبار ما يأتي؛ فالظاهر أنَّه إخبارٌ بالواقع حال الإخبار، يوضِّحُهُ:
الوجه الرابع: وهو قوله: ﴿فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨)﴾، و"المَكْنُون": المَصُون المَسْتُور (٢) عن الأعين الذي لا تناله إيدي (٣) البَشَر، كما قال تعالى: ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩)﴾ [الصافات: ٤٩]، وهكذا قال السلف.
(٢) "المستور" ملحق بهامش (ك).
(٣) ساقط من (ك).