بحسب مشيئته وإرادته، وقرَّرهم (١) على ذلك بما لا سبيل لهم إلى دفعه ولا إنكاره فقال تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣)﴾ [الواقعة: ٨٣]، أي: وصلت "الرُّوح" إلى هذا الموضع، بحيث فارَقَتْ ولم تُفَارِق، فهي في برزخٍ بين الموت والحياة، كما أنَّها إذا فارَقَتْ صارت في برزخٍ بين الدنيا والاَخرة، وملائكةُ الرَّبِّ -تبارك وتعالى- أقربُ إلى المُحْتَضَرِ من حاضريه من الإنس، ولكنَّهم لا يبصرونهم، فلولا تردُّونها إلى مكانها من البدن أيُّها الحاضرون، إنْ كان الأمر كما تزعمون أنكم غيرُ مَجْزِيِّين ولا مَدِينين، ولا مبعوثين (٢) ليوم الحساب.
فإن قيل: أيُّ ارتباطٍ بين هذين الأمرين حتَّى يُلازِمَ بينهما؟
قيل: هذا من أحسن الاستدلال وأَبْلَغِهِ، فإنَّهم إمَّا أنْ يُقِرُّوا بأنَّهم مملوكون مَرْبُوبُون عبيدٌ لمالكٍ، قادِرٍ، مُتَصرِّفٍ فيهم، قاهرٍ، آمِرٍ لهم، نَاهٍ؛ أو لا يُقِرُّون بذلك.
فإنْ أقرُّوا به لزِمَهُم القيامُ بحقِّه عليهم، وشُكْرِه، وتعظيمِهِ، وإجلاله، وأن لا يجعلوا له نِدًّا، ولا شريكًا، وهذا هو الذي جاءهم به رسولُه (٣)، ونزل عليهم به كتابُه.
وإنْ أنكروا ذلك وقالوا: إنَّهم ليسوا بعبيدٍ، ولا مملوكين، ولا مَرْبُوبين، وإنَّ الأمر إليهم؛ فَهَلا يردُّون الأرواحَ إلى مقارِّها (٤) إذا بلغت

(١) في (ز): وقهرهم.
(٢) في (ن) و (ح) و (م): مستوعبين، وكذا في (ك) ثم صححت في الهامش، وفي (ط): مستوعيين!
(٣) في (ز): رسله.
(٤) في (ك): مقادرها! وهو خطأ.


الصفحة التالية
Icon