الحلقوم؟ فإنَّ المتصرِّفَ في نفسه، الحاكِمَ على روحه؛ لا يمتنع منه ذلك، بخلاف المحكومِ عليه، المتصرِّفِ فيه غيرُه، المُدَبِّرِ له سواهُ، الذي هو عبدٌ مملوكٌ من جميع الجهات.
وهذا الاستدلال لا محيدَ عنه، ولا مَدْفَعَ له، [ن/٦٩] ومن أعطاه حقَّهُ من التقرير والبيان [ك/٦٦] انتفع به غاية النَّفْع، وانقاد لأجله للعبودية وأَذْعَنَ، ولم يَسَعْهُ غير التسليم للربوبية والألهية، والإقرار بالعبودية.
وللهِ ما أحسن جَزَالةَ هذه الألفاظ وفصاحَتَها، وبلوغَها أقصى مراتب البلاغة والفصاحة، مع الاختصار التامِّ، وندائها إلى معناها من أقرب مكان، واشتمالها على التوبيخ والتقرير والإلزام، ودلائلِ الربوبية، والتوحيد، والبعث، وفصْلِ النزاع في معرفة "الرُّوح" وأنَّها تَصْعَدُ، وتنزِلُ، وتنتقلُ من مكانِ إلى مكانٍ.
وما [ز/ ٨٤] أحسن إعادة "لولا" ثانيَا قبل ذكر الفعل الذي يقتضيه الأول، وجَعْلِ الحرفين يقتضيانه اقتضاءَ واحدًا، وذِكْرِ الشرط بين "لولا" الثانية وما تقتضيه من الفعل، ثُمَّ الموالاة بين الشرط الأوَّل والثاني، مع الفَصْل بينهما بكلمةٍ واحدةٍ هي الرابطة بين "لولا" الأُولَى والثانية، والشرط الأوَّل والثاني، وهذا تركيبٌ يَسْجُدُ العقل والسمع لمعناه ولفظه.
فتضمَّنت الآيتان تقريرًا، وتوبيخًا، واستدلالاً على أصول الإيمان: من وجودِ الخالق -سبحانه- وكمالِ قدرته، ونُفُوذِ (١) مشيئته، وربوبيته، وتصرُّفِهِ في أرواح عباده، حيث لا يقدرون على التصرُّفِ فيها