أحدها؛ أنَّ فيه إشارة إلى ما تقدَّم من تعليق الفلاح على فعل العبد واختياره كما هي طريقة القرآن،
الثاني: أنَّ فيه زيادة فائدة؛ وهي إثبات فعل العبد وكسبه، وما يثاب ويعاقب عليه، وفي قوله: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨)﴾ إثبات القضاء والقدر السابق.
فتضمَّنَت الآيتان هذين الأصلين العظيمين، وهما كثيرًا ما يقترنان في القرآن كقوله: ﴿إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [المدثر: ٥٤ - ٥٦] وقوله: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)﴾ [التكوير: ٢٨، ٢٩]، فتضمَّنت الآيتان الردِّ على "القَدَرِيَّة" و"الجَبْرِيَّة".
الثالث: أنَّ قولنا يستلزم قولكم، دون العكس؛ فإنَّ العبد إذا زكَّى نفسه ودسَّاها: فإنِّما يزكّيها بعد تزكية الله لها بتوفيقه وإعانته، وإنَّما يُدَسِّيها بعد تَدْسِيَة الله لها بخذلانه، والتخلية بينه وبين نفسه. بخلاف ما إذا كان المعنى على القَدَرِ المحض، لم يبق للكسب وفعل العبد ها هنا ذكرٌ أَلْبَتَّةَ.