أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)﴾ [الأنعام/ ١٠٣]، [ن/٧٤]، أَوَ لم تسمع أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)﴾ [الشورى: ٥١]، قالت: ومن زعم أنَّ محمدًا - ﷺ - كَتَمَ شيئًا من كتاب الله؛ فقد أعظم على الله- عزَّ وجل- الفِرْيَة والله -عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾
[المائدة/ ٦٧]. قالت: ومن زَعَم أنَّهُ يُخْبِرُ بما يكون في غَدٍ؛ فقد أعظم على الله الفِرْيَة، والله -عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل/ ٦٥]. ولو كان محمدٌ كاتمًا شيئًا ممَّا أُنزل عليه لَكَتَم هذه الآية: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ [الأحزاب: ٣٧] " (١).
وفي "الصحيحين" عن مسروق -أيضًا- قال: سألتُ عائشة -رضي الله عنها-: هل رأى محمدٌ ربَّه؟ فقالت: "سبحان الله! لقد قَفَّ (٢) شعري ممَّا قلتَ" (٣).
(٢) "قَفَّ شَعري" معناه: اقشعَرَّ جلدي حتَّى قام ما عليه من الشَّعْر، إعظامًا لهذا
القول. وأصله: التقبُّض والاجتماع؛ لأنَّ الجلد ينقبض عند الفَزَع، فيقوم الشَّعْر لذلك.
انظر: "أعلام الحديث" للخطَّابي (٣/ ١٩١٤)، و"الفتح" (٨/ ٤٨٣).
(٣) أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم (٤٨٥٥)، ومسلم في "صحيحه" رقم =