وقيل: هو القرآن؛ ولعلَّ هذا أرجح الأقوال؛ لأنَّه -سبحانه- وصَفَ القرآن بأنَّهُ ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦)﴾ [عبس/ ١٣ - ١٦]، فالصُّحُفُ هي " الرَّقُّ"، وكونه بأيدي السَّفَرَة هو كونه منشورًا.
وعلى هذا فيكون قد أقسَمَ بسيِّدِ الجبال، وسيِّدِ الكتب. ويكون ذلك متضمِّنًا للنُّبوَّتَين [ز/٩٤] العظيمتَين (١): نُبُوَّةِ موسى، ونُبُوَّةِ محمدٍ صلَّى الله عليهما وسلَّم. وكثيرًا ما يُقْرَنُ بينهما، وبين مَحَلِّهما كما في سورة " والتِّين والزيتون".
ثمَّ أَقْسَمَ بسيِّدِ البيوت، وهو "البيت المعمور" (٢).
وفي وَصْفِه للكتاب بأنَّه مسطورٌ تحقيقٌ لكونه مكتوبًا مفروغًا منه. وفي وَصْفِه بأنَّه منشورٌ إيذانٌ بالاعتناء به، وأنَّه بأيدي الملائكة منشورٌ غيرُ مهجورٍ.
وأمَّا "البيت المعمور"؛ فالمشهور أنَّه "الضُّرَاح" (٣) الذي في
(٢) هذا هو الثالث.
(٣) عن سماك بن حرب، قال: سمعتُ خالد بن عَرْعَرَة يقول: سأل رجلٌ عليًّا -رضي الله عنه-: ما البيت المعمور؟ فقال: "بيتٌ في السماء يقال له "الضُّرَاح"، وهو بحِيَال الكعبة من فوقها، حُرْمَتُه في السماء كحرمة البيت في الأرض، يصلِّي فيه كلَّ يومِ سبعون ألفًا من الملائكة، ثم لا يعودون فيه أبدًا".
أخرجه: ابن وهب في "الجامع تفسير القرآن" (٢/ ٨١) رقم (١٥٢)، والأزرقي في "أخبار مكة" (١/ ٤٩ - ٥٥)، وابن جرير في "تفسيره" (١١/ ٤٨٠ - ٤٨١)، والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (٣٧٠٤)، وإسحاق بن راهويه كما ذكر الحافظ في "المطالب العالية" رقم (٣٧٣٠). =