سِحْرٌ لا حقيقةَ له كما قلتم، أَمْ على [ن/٧٩] أبصاركم غِشَاوةٌ فلا تبصرونها، كما كان عليها غِشَاوَةٌ في الدنيا فلا تُبْصِر الحقَّ؟ أفعَمِيَتْ أبصارُكم اليومَ عن رؤية هذا الحقِّ، كما عَمِيَتْ في الدنيا؟
ثُمَّ سُلِبَ عنهم نَفْعُ الصَّبْرِ (١) الذي كانوا في الدنيا إذا دَهَمَتْهم الشدائدُ وأحاطت بهم لجأوا إليه، وتعلَّلُوا بانقضاء البليَّةِ (٢) لانقضاء أمدها (٣). فقيل لهم يومئذٍ: ﴿فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا﴾ [الطور/ ١٦] كلاهما سواءٌ عليكم لا يُجْدي عليكم الصبر ولا الجَزَع، فلا الصبر يُخَفِّفُ عنكم حِمْلَ هذا العذاب، ولا الجَزَعُ يعطِفُ عليكم قلوبَ الخَزَنَةِ، ولا يستنزل لكم الرحمة.
ثُمَّ أُعْلِمُوا بأنَّ الرَّبَّ -تعالى- لم يظلمهم (٤) بذلك، وإنَّما هو نَفْسُ أعمالهم صارت عذابًا، فلم يجدوا من اقترانهم به بُدًّا؛ بل صارت عذابًا لازمًا لهم، كما كانت إراداتهم وعقائدُهم الباطلةُ وأعمالُهم القبيحةُ لازِمةً لهم، ولزوم العذاب لأهله في النَّار بحسب لزوم تلك الإراداتِ الفاسدة، والعقائد الباطلة، وما يترتَّبُ عليها من الأعمال لهم في الدنيا.
فإنْ زال ذلك اللزوم في وقتٍ ما بضدِّه، وبالتوبة النَّصُوح زوالاً كُلَيًّا لم يُعَذَّبُوا عليه في الآخرة [ك/٧٧]؛ لأنَّ أثره قد زال من قلوبهم وألسنتهم وجوارحهم، ولم يبق له أثرٌ يترتَّبُ عليه، فالتائبُ من الذنب كمن لا ذنب له، والمادَّةُ الفاسدةُ إذا زالت من البَدَنِ بالكُلِّية لم يَبْقَ هناك
(٢) تصحفت في (ز) و (ن) و (ك) و (ط) إلى: الثلاثة!
(٣) تصحفت في (ز) و (ن) و (ك) و (ط) إلى: أمرها.
(٤) في (ز) و (ن) و (ك) و (ط): يظلمكم، وأعمالكم.