ومنه قوله تعالى: ﴿فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥)﴾ [الواقعة/ ٦٥]؛ قيل: معناهُ: تَنْدَمُون. وهذا تفسيرٌ بلازمِ المعنى، وإنَّما الحقيقة: تُزِيلُون عنكم التَّفكُّه، وإذا زال التَّفَكُّهُ خَلفَهُ ضِدُّه، يقال: تَحَنَّث؛ إذا زال الحِنْث عنه، وتَحَزَجَ، وتَحَوَّبَ، وتأثَّمَ، ومنه: تَفكَّه. وهذا البناء يُقَال للداخل في الشيء كـ: تَعَلَّم، وتَحَلَّم (١)، وللخارج منه (٢) كـ: تحرَّج، وتأثَّمَ.
والمقصودُ أنَّه -سبحانه- جمَعَ لهم بين النَّعِيمَين: نعيمِ القلب بالتفكُّهِ، ونعيمِ البَدَن بالأكل والشُّرب والنكاح.
ووَقَاهُم عذاب الجحيم؛ فَوَقَاهُم ممَّا يكرهون، وأعطاهم ما يحبُّون جزاءً وِفاقًا؛ لأنَّهم تَوَفَوا ما يكرهُ، وأَتَوا بما يحبُّ، فكان جزاؤهم مُطابِقًا لأعمالهم.
ثمَّ أخبرَ عن دَوَام ذلك لهم بما أَفْهَمَهُ قولُه: ﴿هَنِيئًا﴾؛ إذ (٣) لو عَلِمُوا زَوَالَهُ وانقطاعَه لَنغَّصَ عليهم ذلك نعيمَهم، ولم يكن هنيئًا لهم.
ثُمَّ ذكَرَ مجالسَهم، وهيئَاتِهم فيها؛ فقال: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ﴾ [الطور/ ٢٠]، وفي ذِكْرِ اصْطِفَافِها تنبيهٌ على كمال النِّعمة عليهم بقُرْب بعضهم من بعضٍ، ومقابلةِ بعضهم بعضًا، كما قال [ز/٩٧] تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (١٦)﴾ [الواقعة/ ١٦]، فإنَّ من تمام اللذَّةِ والنَّعيم أن يكون مع الإنسان في بستانه ومنزله من يحبُّ معاشرتَهُ، ويُؤْثرُ قُرْبَهُ،
(٢) ساقط من (ز) و (ط)، وأُلحقت بهامش (ك).
(٣) ساقط من (ح) و (م).