في تلك الثُّقُوب، ثُمَّ لا يزال مدَّةً إلى أن يَنْشَأَ (١) بُخَارٌ آخر يدفعه أوَّلاً فأوَّلاً إلى خارج، من غير أن يَنْقَلِعَ (٢) أصله، فيبقى بعضُه مركوزًا في الجلد -منزلته منزلة أصل النَّبَات-، وبعضُه يظهر (٣) إلى خارج -منزلته منزلة ساق النَّبَات-، وذلك هو "الشَّعْر".
فمادةُ "الشَّعْر" هو البُخَار الدُّخَاني الحارُّ اليابسُ، وسببه هو الحرارةُ الطبيعيةُ المحرِقةُ لذلك البُخَار، والآلة التي بها يتَمُّ أمرُه هي المَسَامُّ التي ارتكَبَ (٤) فيها البُخَارُ، فتلبَّدَ هناك فصار "شَعْرًا" بإذن الله تعالى.
والغاية التي وُجِدَ لأجلها وُجِدَ لها سببان:
أحدهما عامٌّ: وهو تنقية البدن من الفضول الدُّخَانِيَّة الغليظة.
والآخر خاصٌّ: وهو إمَّا للزينة، وإمَّا للوقاية.
وإذا بَانَ بأنَّ "الشَّعْر" إنما يتولد مع الحرارةِ واليُبْسِ المعتدل؛ بَقِيَتْ ثلاثةُ أقسام:
أحدها: حرارة غالبةٌ على اليُبْس، كالصبيان.
الثاني: عكسه، وهو يُبْسٌ غالبٌ (٥) على الحرارة، كالمشايخ.
(٢) في (ز) و (ح): ينقطع.
(٣) "يظهر" ملحق بهامش (ك)، وفي (ح) و (م): يطلع.
(٤) الأنسب أن يقال: تَراكَبَ، أي: وضع بعضَه على بعض، كـ"تراكم" وزنًا ومعنىً.
انظر: "تاج العروس" (٢/ ٥٢١، ٥٢٦).
(٥) في (ز) و (ك): غلب.