بسبب نقصان الحرارة، ويكون بطيء الحركة مُدَّةَ نُفُوذه إلى المَسَامِّ.
وأصلحت طائفةٌ بين القولين، وقالوا: العِلَّةُ في الأمرين واحدةٌ، وسببهما نقصان الحرارة.
فإن قيل: فَلِمَ اختصَّ الشَّيْبُ بالإنسان من بين سائر الحيوان؟
قيل: لَحْمُ الإنسان وجلْدُه رِخْوٌ لَيْنٌ، وجلودُ الحيوانات ولحومُها أقوى وأَصْلَبُ، فلمَّا غَلُظَتَ مادَّةُ "الشَّعْر" فيها لم يعرض لها ما يعرض "لشَعْر" الإنسان. ولهذا يكون شَعْرها كلُّها معها من حين ولادتها، بخلاف الإنسان.
وأيضًا؛ فإنَّ الإنسان يستعمل المَطَاعِمَ المركَّبة المتنوِّعَة، وكذا المَشَارِبَ، ويتناول أكثرَ من حاجته، فتجتمع فيه فَضَلاتٌ كثيرةٌ، فتدفعها الطبيعة إلى ظاهر البدن، فما دامت الحرارة قوية فإنَّها تَقْوَى على إحراق تلك الفضلات، فيتولَّدُ من إحراقها: "الشَّعْر" الأسود. فإذا بلغ الشيخوخة ضعفت الحرارة، وعجزت عن إحراق تلك الفضلات، فتعمل فيها عملًا ضعيفًا.
وأمَّا سائر الحيوانات فلا (١) تتناول الأغذية المركَّبة، وتتناول منها على قدر الحاجة، فلا يَشِيبُ شَعْرها كما يشيب شَعْر الإنسان.
وأيضًا؛ فإنَّ في زَمَن الشيخوخة يكون الإنسان (٢) أقلَّ حرارةً، وأكثَر رطوبةً فيتولَّد الخِلْط، و [أمَّا] (٣) الحيوانات فاليُبْسُ غالبٌ عليها.
(٢) ساقط من (ح) و (م).
(٣) زيادة تناسب السياق.