حُمْرٌ (١)، قال: "هل فيها من أَوْرَق؟ " قال: نعم، قال: "فأنَّى له ذلك؟ " قال: عسى أن يكون نزعَهُ عِرْقٌ، قال: "وهذا عسى أن يكون نَزَعَهُ عِرْقٌ" (٢).
قالوا: ولو كان في "المَنِيِّ" من كلِّ عُضْوٍ جُزْءٌ، فلا تخلو تلك الأجزاء: إمَّا أن تكون موضوعةً في "المَنِيِّ" وضعها الواجب، أو لا تكون كذلك؛ فإن كانت موضوعةً وضعها الواسط كان "المَنِيُّ" حيوانًا صغيرًا، وإن لم تكن كذلك استحالت المشابهة.
قالوا: وأيضًا؛ فـ "المَنِيُّ" إمَّا أن يكون مركَبًا على تركيب هذه الأعضاء وترتيبها، أو لا يكون كذلك.
فالأَوَّلُ باطلٌ قطعًا؛ لأن "المَنِيَّ" رطوبةٌ سَيَّالَةٌ فلا تحفظ الوضع (٣) والترتيب. وإن كانت ثقيلةً؛ فتعيَّنَ الثاني.
ولابدَّ -قطعًا- أن يُحَالَ ذلك الترتيب والتصوير والتشكيل على سببٍ آخر سوى القوَّة التي في المادَّة، فإنَّها قوَّةٌ بسيطةٌ لا شعور لها ولا إدراك، ولا تهتدي لهذه التفاصيل التي في الصورة الإنسانية، بل هذا التصوير والتشكيل مَرْجعُهُ إلى خالقٍ عظيمٍ عليمٍ حكيمٍ؛ قد بَهَرَتْ حكمتُه العقولَ، ودلَّت آثارُ صنعته على كمال أسمائه وصفاته وتوحيده.
(٢) أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم (٥٣٠٥، ٦٨٤٧، ٧٣١٤)، ومسلم في "صحيحه" رقم (١٥٥٠)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
"أَوْرَق": بوزن: أَحْمَر؛ وهو الذي سواده ليس بحالك بل يميل إلى الغبرة. "الفتح" (٩/ ٣٥٢).
(٣) في (ح) و (م): الموضع.