ولا فعلٌ إلا بإذن بارئها وخالقها = فذلك الذي جَهِلَ نفسَه وربَّه، وعادَى الطبيعة والشريعة.
والرَّبُّ -تعالى- يخلق ما يشاء ويختار، ويُصوِّرُ خَلْقَهُ في "الأرحام" كيف يشاء، بأسباب قَدَّرَها، وحِكَمٍ دَبَّرَها، وإذا شاء أن يَسْنُبَ تلك الأسباب قوَاها سَلَبَها، وَإِذا شاء أن يقطعِ أسبَابَها قطَعَها، وَإِذا شاء أن يُهَيِّءَ لها أسبابًا أخرى تقاومها وتعارضها فعَلَ؛ فإنَّه الفعَّالُ لما يريد. وليس في كون "المَنِيِّ" مُسْتَلًّا (١) من جميع أجزاء البدن ما يُخْرِجُهُ عن الحوالة على قدرته ومشيئته وحكمته، بل ذلك أبلغ في الحكمة والقدرة.
وأمَّا قولكم: لو كان "المَنِيُّ" مُسْتَلاًّ (٢) من جميع الأعضاء لكان الولد يتشكَّلُ بشكلهما معًا، فقد أجاب النبيُّ - ﷺ - عمَّنْ سأله عن ذلك بما شَفَى وكَفَى.
ففي "صحيح البخاري" (٣) من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: بَلغَ عبدَ الله بن سَلَام مَقْدَمُ رسول الله - ﷺ - المدينة، وهو في أرضٍ يَخْتَرِفُ، فأتَاهُ، وقال: إني سائلُك عن ثلاثٍ لا يعلمهنَ إلا نبيٌّ: ما أَوَّلُ أشراط الساعة؟ وما أَوَّلُ طعامٍ يأكله أهلُ الجنَّة؟ ومن أيِّ شيءٍ يَنْزِعُ الولد إلى أبيه، ومن أيِّ شيءٍ يَنْزِعُ إلى أخواله؟ فقال رسول الله - ﷺ -: "أخبرني بهِنَّ آنفًا جبريل"، فقال عبدُ الله: ذاك عَدُوُّ اليهود من الملائكة، "أمَّا أَوَّلُ

(١) في (ز) و (ك): مسيلا، وما أثبته من (ح) و (م).
(٢) في (ز) و (ك): مسيلا، وما أثبته من (ح) و (م).
(٣) رقم (٣٣٢٩، ٣٩٣٨، ٤٤٨٠).
و"يَختَرِف" أي: يجتني من الثمار. "الفتح" (٧/ ٢٩٦).


الصفحة التالية
Icon