اعلم أنَّ الله (١) -سبحانه- يُقْسِمُ بأمورٍ على أمورٍ، وإنَّما يُقْسِم بنفسِهِ [المُقَدَّسَةِ] (٢) الموصُوفَةِ بصفاتِه، أو آياتِه المستلزِمة لِذَاتِه وصفاتِه، وإقْسَامُه ببعض المخلوقات دليلٌ على أنَّه من عظيم آياته.
فالقَسَمُ:
إمَّا على جملةٍ خبريةٍ -وهو الغالب- كقوله تعالى: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ [الذاريات/ ٢٣].
وإمَّا على جملةٍ طلبيةٍ، كقوله -عزَّ وجلَّ-: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)﴾ [الحجر/ ٩٢ - ٩٣].
مع أنَّ هذا القَسَمَ قد يُرَادُ به تحقيقُ المُقْسَم عليه، فيكون من باب الخبر، وقد يراد به تحقيق القَسَم.
والمُقْسَمُ عليه يُرَاد بالقَسَم توكيدُهُ وتحقيقُهُ، فلا بدَّ أن يكون ممَّا يَحْسُن فيه ذلك، كالأمور الغائبةِ والخَفِيَّة إذا أُقْسِمَ على ثبوتها.
فأمَّا الأمور المشهودة (٣) الظاهرة كالشمس، والقمرِ، واللَّيلِ، والنَّهارِ، والسماءِ، والأرضِ، فهذه يُقْسَمُ بها ولا يُقْسَمُ عليها.
وما أقْسَمَ عليه الرَّبُّ -سبحانه- فهو من آياته، فيجوزُ أن يكون مُقْسَمًا به، ولا ينعكس.
(٢) زيادة من القطعة الموجودة في "مجموع الفتاوى" (١٣/ ٣١٤)، و"الإتقان" للسيوطي (٢/ ١٠٥١)، و"معترك الأقران" له (١/ ٤٥٣).
(٣) في (ز) و (ن): المشهورة.