الحاكمين.
وأمَّا منعكم عموم اللذَّة للبدن فشبيهٌ بالمكابرة، والمُجَامعُ يجد عند الإنزال شيئًا قد اسْتُلَّ من جميع بدنه وسمعه وبصره وقُواه، وأُفْرِغَ في قالَب "الرَّحِمِ"، فيُحِسُّ كأَنَّه قد خلع قميصًا كان مشتملًا به.
ولهذا اقتضت حكمة ربِّ العالمين في شرعه وقدره أنْ أَمَرَهُ بالاغتسال عقيب ذلك، لِيُخْلِف عليه الماءُ ما تحلَّل من بدنه المخلوق من ماءٍ، وإذا اغتسل وجد نشاطًا وقوَّةً، وكأَنَّه لم ينقص منه شيءٌ؛ فإنَّ رطوبة الماء تُخْلِفُ على البدن ما حلَّلَتْهُ تلك الحركة من رطوباته، وتعمل فيها الحرارة الأصليَّة (١) عملها، فتَمُدُّ بها القوى التي ضعُفَت بالإنزال.
وأمَّا التشابه الواقع بين "الظُّفُر" و"الشَّعْر" في الوالد والمولود، ولم ينفصل منهما (٢) شيءٌ = فما أبردها من شبهةٍ؛ فإنَّ "الظُّفُرَ" و"الشَّعْرَ" تابعان للأعضاءِ والمِزَاجِ (٣) الذي وقع فيه التشابه، فاسْتَتبع تَشَابُهُ الأصلِ تَشَابُهَ التَّبَع.
وأمَّا شبه المولود بالجَدِّ البعيد من أجداده فهو من (٤) أقوى الأدلَّة لنا في المسألة؛ لأنَّ ذلك الشَّبَه البعيد لم يَزَلْ يُنْقَلُ في الأَصْلاب حتَّى استقرَّ في صورة الولد، وبها حصل الشَّبَهُ.

(١) في (ز): الأصيلة!
(٢) في جميع النسخ: بينهما، وما أثبته أنسب،
(٣) مِزَاجُ البدن: ما رُكِّبَ عليه من الطبائع. "مختار الصحاح" (٦٤٨).
(٤) ساقط من (ك).


الصفحة التالية
Icon