ولقد كَفَى النبيُّ - ﷺ - بهذا الإجمال عن هذا التفصيل، وهذا يقتضي أنَّ اجتمِاع خَلْقه وقع في الأربعين الأُولَى، ولا ينافي هذا قوله: "ثُمَّ يكون عَلقَةً مثل ذلك"، فإنَّه يكون "عَلَقةً" -وهي القطعة من "الدَّم"- قد جُمع فيها خلقُها جمعَا حَفِيًّا (١)، وذلك الخَلْق في ظهور خَفِيٍّ على التدريج، ثُمَّ يكون "مُضْغَةً" أربعين يومًا أخرى، وذلك التخليق يتزايد شيئًا فشيئًا إلى أن يظهر للحِسِّ ظهورًا لا خفاء به كلِّه، و"الرُّوح" لم تتعلَّق به بعد، فإنَّها إنَّما تتعلَّق به في الأربعين الرابعة بعد مائةٍ وعشرين يومًا، كما أخبر به الصادق المصدوق، وذلك ممَّا لا سبيل إلى معرفته إلا بالوحي، إذ ليس في الطبيعة ما يقتضيه، فلذلك حَارَ فُضَلاءُ الأطبَّاء وأذكياءُ الفلاسفة في ذلك، وقالوا: إنَّ هذا ممَّا لا سبيل إلى معرفته إلا بحسب الظنِّ البعيد (٢).
قال مَنْ وقَفَ على نهايات كلامهم في ذلك، ودَأَبَ فيه حتَّى مَلَّ (٣) وكَلَّ، وهو صاحب "الطِّبِّ الكبير" (٤)، فذكر مناسباتِ خياليةٍ ثُمَّ قال: "وحقيقة العلم فيه عند الله تعالى، لا مطمع لأحدٍ من الخلق في الوقوف
(١) في (ز): خفيفًا.
(٢) من قوله: "واقتضت حكمة الخلَّاق العظيم -سبحانه- أن جعل داخل الرَّحِم
خشِنًا... " إلى هنا؛ نقله الحافظ ابن حجر في "الفتح" (١١/ ٤٩٠).
(٣) ساقط من (ح) و (م).
(٤) هو أَبو بكر الرازي -وستأتي ترجمته (ص/ ٥٢٥) -، وقد كتبَ أبو الريحان البيروني "رسالة في فهرست كتب محمد بن زكريا الرازي"؛ عدَّ منها: "الجامع الكبير" ضمن كتبه الطبية، وقد عرف بـ "الحاوي" وبه اشتهر.
انظر: "إسهام علماء العرب والمسلمين في الصيدلة" لعلي الدفاع (٢٢٦).