فإن قيل: فما تصنعون بحديثه الآخر الذي في "صحيح مسلم" (١) -أيضًا- عن عامر بن واثلة، أنَّه سمع عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "الشَّقِيُّ من شَقِيَ في بطن أُمِّه، والسعيدُ من وُعِظَ بغيره"، فأتى رجلًا من أصحاب النبيِّ يقال له حذيفة بن أَسِيدٍ الغِفَاري، فحدَّثه بذلك من قول ابن مسعود، فقال: وكيف يَشْقَى رجلٌ بغير عملٍ؟ فقال له الرَّجُل: أتعجب من ذلك؟ فإنِّي سمعتُ رسول الله - ﷺ - يقول: "إذا مَرَّ بالنطفة ثِنْتَان وأربعون ليلة بَعَثَ اللهُ إليها ملكًا فصوَّرَها، وخَلَقَ سمعَها، وبَصَرَها، وجلْدَها، ولَحْمَها، وعظَامَها، ثُمَّ قال: يا رَبِّ أَذَكَرٌ أم أنثى؟ فيقضي ربُّك ما شاء، ويكتب المَلَكُ، ثُمَّ يخرج المَلَكُ بالصحيفة في يده، فلا يزيد على ما أُمِرَ ولا يُنْقِص".
وفي لفظ آخر في "الصحيح" (٢) -أيضًا-: سمعتُ رسول الله - ﷺ - بأُذُنَيَّ هاتين يقول: "إِنَّ النطفةَ تقعُ في الرَّحِم أربعين ليلةً، ثُمَّ يَتَسَوَّرُ عليها المَلَكُ الذي يَخلُقُها (٣)، فيقول: يا رَبِّ أَذَكَرٌ أو أنثى؟ ثُمَّ يقول: يا رَبِّ أَسَوِيٌّ أو غيرُ سَوِيِّ؟ فيجعله الله سَوِيًّا أو غيرَ سَوِيٍّ، ثُمَّ يقول: يا رَبِّ ما رزقه؟ وما أجله؟ وما خلقه؟ ثُمَّ يجعله الله -عزَّ وَجلَّ- شقيًّا أو سعيدًا".
وفي لفظ آخر في "الصحيح" (٤) -أيضًا-: "أنَّ مَلَكًا موكَّلًا بالرَّحِم
(٢) رقم (٢٦٤٥) أيفما.
(٣) ضبطها ناسخ (ز) و (ح) هكذا: "يُخلِّقُها"، ثم فسرها في هامش (ز) فقال:
أي: يصوِّرها بإذن الله تعالى.
(٤) رقم (٢٦٤٥) أيضًا.