فإن قيل: فكيف وَضْعُ الجَنين في بطن أُمِّهِ: أقائمًا، أم قاعدًا، أم مضطجِعًا؟
قيل: هو معتمِدٌ بوجهه على رجليه، وبراحتيه على ركبتيه، ورجلاه مضمومةٌ إلى قُدَّامه (١)، ووجهه إلى ظهر أُمِّه. وهذا من العناية الإلهيَّة به؛ أن أَجْلَسَهُ هذه الجِلْسَة في هذا المكان الضيِّق، فهو في "الرَّحِم" على الشكل الطبيعي.
وأيضًا؛ فلو كان رأسُهُ إلى أسفل لوقع ثِقَلُ الأعضاء الخسيسة على الأعضاء الشريفة، وأدَّى ذلك إلى تَلَفِهِ.
ولأنَّه عند محاولة الخروج إذا انقلب أعَانَهُ ثِقَلُه على الخروج، فإنَّه إذا خرَجَ أوَّلَ ما يخرُجُ منه رأسُهُ؛ لأنَّ "الرأس" إذا خرج أوَّلاً كان خروج سائر الأعضاء بعده سهلًا، ولو خرج على غير هذا الوجه لكان فيه تَعْوِيقٌ وعُسْرٌ. فإنَّ "الرجْلَين" لو خَرَجَتَا أوَّلاً انْعَاقَ خروج الباقي؛ فإنَّهُ إنْ خرجت "الرِّجْلُ" الواحدة أوَّلاً انْعَاقَ عند الثانية، وإن خرجتا معًا انعاق عند "اليدين"، وإن خرجت "اليدان" و"الرجْلاَن" انعاق عند "الرأس"، فكان يلتوي إلى خلف وتلتوي "السُّرَّةُ" إلى"العُنُق" فيألم "الرَّحِم"، ويصعب (٢) الخروج، ويؤدِّي إلى مَرَضِهِ أو تَلَفِهِ.
فإن قيل: فما سبب الإجْهَاض -الذي يسمُّونه "الطَّرْح"- قبل كمال الولد؟
قيل: الجَنين في "البَطْن" بمنزلة الثمرة في الشجرة، وكلٌّ منهما له

(١) من (ط)، وفي باقي النسخ: قدماه! وجاء في هامش (ز): فخذيه.
(٢) في (ح) و (م): ويضعف.


الصفحة التالية
Icon