لخروج (١) ما هو أكبر منه بأضعافٍ مضاعفةٍ؟
قيل: هذا من أعظم الأدلَّة على عناية الرَّبِّ -تعالى- وقدرته ومشيئته، فإنَّ "الرَّحِم" لابدَّ أن ينفتح الانفتاحَ العظيمَ جدًّا. قال غير واحدٍ من العقلاء: ولابدَّ من انفصالٍ يعرض للمفاصل العظيمة، ثُمَّ تلتئم بسرعةٍ (٢) أسرع من لَمْح البصر.
وقد اعترف فضلاءُ الأطبَّاء وحُذَّاقُهم بذلك، وقالوا: لا يكون ذلك إلا بعنايةٍ إلهيَّةٍ، وتدبيرٍ تعجز العقول عن إدراكه، وتُقِرُّ للخلَّاق العليم بكمال الربوبيَّة [ح/ ١٣٤] والقدرة.
فإن قيل: فما السبب في بكاء الصبيِّ حال خروجه إلى هذه الدار؟
قيل: هاهنا سببان: سببٌ باطنٌ أخبر به (٣) الصادق المصدوق، لا يعرفه الأطبَّاء. وسبب ظاهرٌ.
فأمَّا السبب الباطن؛ فإنَّ الله -سبحانه- اقتضت [ك/ ١٠٦] حكمته أن وكَّلَ بكلِّ واحدٍ من أولاد آدم شيطانًا، فشيطان هذا المولود قد حُبِس (٤) ينتظر خروجه ليقارنه ويتوكَّلَ به، فإذا انفصل استقبله الشيطان وطعنه في خاصرته، تحرُّقًا عليه وتغيُّظًا، واستقبالًا له بالعداوة التي كانت بين الأبوين قديمًا، فيبكي المولود من تلك الطعنة. ولو آمن زنادقةُ الأطبَّاء والطبائعيين بالله ورسوله لم يجدوا عندهم ما يبطل ذلك ولا يردُّه.
(٢) من (ط)، وفي (ز) و (ك): سرعة، وفي (ح) و (م): مسرعة.
(٣) ساقط من (ك).
(٤) في (ح) و (م): خَنَس.