قلت: وهذا غلطٌ من وجه، وصوابٌ من وجه:
فأمَّا الصواب؛ فمن الحِكَم العجيبة جَعْلُ "الطِّحَال" في الجانب الأيسر على موازنة "الكبد"؛ لئلَّا يميل الشِّقُّ الأيمن بها.
ولا يمكن أن تقوم "المعدةُ" بموازنة "الكبد"؛ لأنَّها (١) -دائمًا- تمتلئ (٢) وتخلو، فتارةً تكون أخفَّ من "الكبد"، وتارةً أرجحَ منها، فيصير البدنُ مترجِّحًا، أو يميل إلى شِقِّ "الكبد" وقتًا، وإلى شِقِّ "المعدة" وقتًا آخر.
فجعل الخالق -سبحانه-[ح/ ١٣٩] "الطِّحَال" يوازن "الكبد"، وجعل "المعدة" بينهما في الوَسْط؛ لئلَّا يَبِلَّ (٣) جانبٌ ويَشِفَّ (٤) آخر عند امتلائها وخُلُوِّها، فلما جُعِلَت وَسْطًا لم يختلف وضْعُ البدن باختلافها.
وأمَّا الغلط؛ فهو قوله: "إنَّه (٥) لا منفعة فيه، وإنَّما يشغل المكان لئلَّا يبقى فارغًا"؛ فإنَّه لو لم يعلم فيه منفعة لم يكن له أن ينفيها، فإنَّ عدم العلم بالمنفعة لا يكون علمًا بِعَدَمِها، كيف ولا شيء في البدن خالٍ عن المنفعة أَلْبَتَّة؟

(١) في (ز): لئلا. وسقطت كلمة "دائمًا" منها.
(٢) من (ح) و (م)، وفي باقي النسخ: تميل.
(٣) في (ح) و (م): يثقل.
و"يَبِلُّ" من: البِلِّ -بكسر الباء، وتشديد اللام-، وهو الشِّفَاء والعافية، وتحسُّن الحال بعد الهُزَال.
انظر: "مختار الصحاح" (٧٨)، و"القاموس" (١٢٥١).
(٤) شَفَّ: هَزُلَ ونَحَلَ، وصار رقيقًا. "القاموس" (١٠٦٦).
(٥) من (ح) و (م)، وسقطت من البقية.


الصفحة التالية
Icon