التعظيم، مع تضمُّنِه لأمرٍ آخر وهو: إقسامُهُ ببلده المشتمِل على رسوله وعبده، فهو خير البِقاع وقد اشتمل على خير العباد.
فجَعَلَ بيتَهُ هدىً للناس، ونبيَّهُ إماما وهاديًا لهم، وذلك من أعظم نِعَمِه وإحسانِه إلى خلقه، كما هو من أعظم آياته ودلائل وحدانيتِه وربوبيتِه، فمن اعتبر حالَ بيتِهِ وحالَ نبيِّهِ وجد ذلك من أظهر أدلَّة التوحيد والربوبية.
وفي الآية قولٌ ثالثٌ (١)؛ وهو أنَّ المعنى: وأنتَ مُسْتَحَلٌّ قَتْلُكَ

(١) وفي الآية -أيضًا- قولٌ رابعٌ هو أولى الأقوال بالنقل؛ لأنه المنقول عن السلف، وعليه أكثر المفسرين، وهو: أن المراد بالآية تحليل مكة للنبيِّ - ﷺ - بحيث يفعل فيها ما يحرم على غيره من قتل وسَلْب وغير ذلك، وقد حصل ذلك يوم الفتح فإنه قتل: عبدَ الله بن خَطَل، ومِقْيَسَ بن صُبَابة، وغيرهما.
وحينئذٍ تكون الآية وعدًا للنبيِّ - ﷺ - بفتح مكة، وتبشيرًا له بحصول ذلك في المستقبل.
وهذا قول: ابن عباس، ومجاهد، والسُّدِّي، وابن زيد، وقتادة، وعطاء، والضحَّاك، وأبي صالح، وعطية، والحسن، وسعيد بن جبير.
بل إن جماعة من المفسرين لم يذكروا غير هذا التفسير للآية، كما فعل: ابن جرير في "جامع البيان" (١٢/ ٥٨٥)، والواحديُّ في "الوسيط" (٤/ ٤٨٨)، وابن كثير في "تفسيره" (٨/ ٤٠٢).
ومما يؤكد هذا المعنى ما جاء في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي - ﷺ - يوم افتتح مكة: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهادٌ ونيَّةٌ، وإذا استُنفِرتُم فانفِروا، فإنَّ هذا بلدٌ حرَّمَهُ الله يوم خلق السمواتِ والأرض، وهو حرامٌ بحرمةِ اللهِ إلى يوم القيامة، وانه لم يَحِلَّ القتالُ فيه لأحدٍ قبلي، ولم يَحِلَّ لي إلا ساعةً من نهارِ، فهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة... الحديث".
أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم (١٧٣٧)، ومسلم في "صحيحه" رقم =


الصفحة التالية
Icon